نجح صاروخ أطلقته جماعة مجهولة تدعى «أنصار السنة الجماعات السلفية الجهادية في فلسطين» في دفع الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون التي كانت تقوم بزيارة إلى غزة لإدانة الفلسطينيين ضمناً عندما أعربت فور ورود الأنباء عن إطلاق الصاروخ وقتله عاملا تايلاندياً جنوب إسرائيل عن إدانتها ل «كل أشكال العنف». ونجح الصاروخ أيضا في إخراج تصريحات أشتون عن سياقها حيث كانت تنحصر في «تحسين الأوضاع (لأهالي غزة) وتزويد الناس بما يحتاجونه»، ونقل صورة عن الوضع في القطاع إلى اجتماع اللجنة الرباعية الدولية اليوم بموسكو. كما أن الصاروخ فشل في تحقيق الهدف الذي ادعى مطلقوه السعي لأجله وهو «الرد على تهويد المقدسات والتعرض للأقصى والحرم الإبراهيمي والعدوان الصهيوني المتواصل ضد أهالينا في أكناف بيت المقدس»، ومن غير المفهوم كيف يظن البعض أن صاروخاً واحداً سيحقق كل هذه النتائج. لقد كانت الخلافات بين تنظيمات المقاومة في فلسطين سبباً دائماً للأزمات، وامتدت لسنين تساوي عمر «الثورة الفلسطينية»، وانتقلت مع الفلسطينيين في كل مكان حاصدة وراءها فشلاً إثر آخر وزارعة متاريس غضب وحقد بين الأشقاء. صاروخ الأمس لا يخرج عن هذا السياق فهو أطلق من جماعة مجهولة وفي وقت حساس، ودون سبب واضح سوى إثبات الوجود والطعن والمزايدة على القوة الأكثر حضوراً في غزة الآن وهي «حماس»، وكثير من تصرفات المنظمات الفلسطينية (سابقاً وحالياً) كانت تحمل هذه الأهداف وإن تخفت تحت مسمى «المقاومة» باعتبارها مقدساً لدى الشعب الفلسطيني لا يمكن مسه. والآن بينما يسعى العالم لتخفيف معاناة الفلسطينيين والسعي لحلها والدفع باتجاه المفاوضات نجد الانتماء لحماس أصبح جريمة يعاقب عليها القانون «الفلسطيني» في الضفة الغربية، ونجد سلطة حماس تعتقل من ينتمي إلى فتح في غزة، ونجد جماعات مجهولة تقرر أنها سترفع راية «المقاومة»، وتهم واهية هنا وهناك الخاسر فيها فلسطين والهدف المعلن منها هو مصلحة الوطن. يتحدثون عن المصالحة الفلسطينية، لكن يبدو أن الحديث يجب أن يكون عن «إدارة الخلاف» الفلسطيني، ليقبل الفلسطينيون باختلافهم وليركزوا على إدارته بشكل بنّاء ليكون منصبًّا في تحقيق المصلحة الفلسطينية العليا لشعب مغلوب على أمره ويعاني من احتلال وحروب مستمرة منذ 60 عاماً.