في بلادنا هيئات كثيرة تتمتع بشيء من الاستقلالية في القرار والمرونة في الحركة والاتساع في الصلاحيات. لكن يظل الهدف الأسمى من وجودها تنظيم حياة الناس بما يحقق الرخاء والرفاهية للمواطن والمقيم، وبما يمنع من تجاوز الطرف الأقوى (ممثلاً في الشركات وأصحاب المصالح) على الطرف الأضعف وهو المستهلك أياً كان مواطناً أو مقيماً. ومع ذلك يشعر المستهلك أحياناً بأن بعض هذه الهيئات لا تقوم بدورها المنشود تجاهه، بل هي مع الطرف الأقوى غالباً! كيف.. اسمعوا وعوا الأمثلة التالية: أولا: هيئة الاتصالات ومن أعجب عجائبها أنها ضد الطرفين معاً مقدم الخدمة ومتلقيها!! وأما شعارها الجديد الموجه للمواطن فهو: (لسه ما شفتو شيء). فبعد تدخلها غير المتوقع ضد الطرفين (مقدمي الخدمة ومتلقيها) لمنع مجانية الاستقبال الدولي، أعلنت أنها ستوقف خدمة البلاك بيري ماسنجر ما لم تقم الشركة الأجنبية المعنية بتركيب خوادم لها في المملكة، وهي صاغرة ذليلة، وإلا فعليها الرحيل، وعلى المستهلك الصمت والعويل. كلمة واحدة، وكل كلام هيئة الاتصالات مقدس، وكل أفكارها مبررة بالاقتصاد والأمن، والتي لا يفهمها إلا رجالها الأشاوس ومفكروها العظام. ثانياً: هيئة تنظيم الكهرباء التي قررت فجأة رفع بعض الرسوم أضعافا مضاعفة، فرسوم تركيب ما زاد عن 6 عدادات في عمارة مثلاً تجاوز 3 أضعاف ما كانت عليه مع تنفيذ سريع لا يسمح بالتقاط الأنفاس وتدارك الفاجعة. طبعاً التبرير الجاهز هو ارتفاع التكاليف، بينما الحقيقة هي ارتفاع المصاريف مقرونة بضعف الأداء ومشفوعة بتضخم عدد العاملين وانتفاخ رواتب ومزايا بعض كبار المسؤولين. ثالثا: هيئة الدواء والغذاء، والدواء أولاً يا هيئتنا الموقرة. أسعاره نار وتوزيعه احتكار. لماذا لا يُلغى نظام احتكار وكالات الأدوية، ولماذا لا تشجع الهيئة القطاع الخاص على التنافس الشريف الذي سيسمح حتماً بخفض الأسعار التي لا تنفك عن الزيادة باستمرار. وأما الغذاء فحكايته حكاية، مع كل ما تعج به الرفوف من أغذية هي أبعد ما تكون عن (الصحية)، مقرونة بنقص فاضح عن كتابة محتوياتها الحقيقية وآثارها التدميرية على المستهلك الغلبان. [email protected]