شيخنا الأستاذ إبراهيم البليهي رجل نعرف عنه فكره المستنير وعلمه الوفير وخدمته الطويلة للوطن في قطاع البلديات قبل أن يحظى بعضوية مجلس الشورى في دورته الحالية، ولذلك فلقد سعدت باستضافة الإذاعي اللامع تركي الدخيل له في برنامج “إضاءات”، وتوقعت أن أخرج من اللقاء بإثراء فكري وأدبي ماتع، إلاّ أنني فوجئت مع الأسف عندما استمعتُ إلى الشيخ البليهي وهو يشن هجومًا عنيفًا على العرب والعروبة، متّهمًا إيّاهم بأنهم أوضع شعوب الكون، وأنهم لم يقدموا إلى الحضارة الإنسانية شيئًا يُذكر، وأن دورهم في المجتمع العالمي دور هامشي، وعندما دار الحديث عن إسهام العرب في نشر الإسلام قال الشيخ البليهي إن العرب لم يتجاوز دورهم حدود النقل، وإن الحضارة الإسلامية قد قامت على أيدي أبناء الأجناس الأخرى التي اعتنقت الإسلام، ولم تقم على أيدي العرب المتخلّفين!! فركتُ عيني وأذني، وأنا أكاد لا أصدّق ما أسمع وأشاهد.. فكيف تصدر مثل هذه الأقاويل التي تنضح بالشعوبية والعنصرية الفاضحة على لسان مفكر عربي من قلب الجزيرة العربية؟ وكيف خانت الأستاذ تركي الدخيل فطنته وثقافته ومهاراته الحوارية حتّى يسمح بمثل هذا الهراء الذي كان يتدفق كالسيل من بين شفتي الأستاذ البليهي دون أن يقاطعه بالحجة، أو على الأقل أن يستوقفه ليعدل بعض العبارات التي لو صدرت عن معلّق غربي في وسيلة إعلام دولية، فلربما جعلته عرضة للمساءلة القانونية بتهمة العنصرية، واللاسامية، وإثارة النعرات ضد الشعوب. لا حاجة لي للدفاع عن العرب وسيرتهم، فلقد شرّفهم الله سبحانه وتعالى بحمل رسالته الخالدة إلى شعوب الأرض، ولقد أنزل الله عز وجل قرآنه باللغة العربية التي اختارها سبحانه لتكون لغة الملائكة، وخطاب أهل الجنة، ولا شك أن مَن يحمل في مشاعره نعرة شعوبية لا يمكن أن تسلم عقيدته من آثار هذه الأفكار، ذلك أنه يكاد يستحيل على أي إنسان أن يفصل بين العروبة والإسلام.. كما أن التفريق بين العلماء المسلمين ومحاولة تصنيفهم وفق أصولهم العرقية فيه إجحاف واضح، فسواء كان هؤلاء العلماء من بخارى، أو من قلب الجزيرة العربية، فلقد احتوتهم جميعًا اللغة العربية، وأصبحت وعاء حضارتهم، وفكرهم، وقناة تعبيرهم، وإسهاماتهم. ولئن قال الأستاذ البليهي إنه يقصد دور العرب في العالم اليوم، فلا شك أنه يجانب الحقيقة إذا وضع الأمة العربية بأسرها في قاع شعوب الأرض، واتّهمها بالبربرية، والعنف، والجهل، والتخلّف. فهل أحرق العرب ملايين البشر من يهود، أو أجناس أخرى في الحرب العالمية؟ وهل أباد العرب مليوني إنسان في كمبوديا؟ وهل ذبح العرب بالسواطير والسكاكين مليونًا من الناس في رواندا؟ وهل انتحر من العرب مليون شهيد في الجزائر، ومثلهم في العراق، وفلسطين، أم أن الذي نحرهم هو الغرب الذي افتتن به البليهي، وراح يتحدّث بسذاجة وانبهار عن تفوّقه الأخلاقي والعلمي؟ إن ما قاله الشيخ البليهي في حق العرب قول نشاز تشمئز منه الأسماع والأفئدة، وهو قول يستوجب الاعتذار للمستمعين والمشاهدين من البليهي، ومن مقدم البرنامج غفر الله له.