كان آخر مرة رأيته فيها -يرحمه الله- قبل أسبوع، أو أكثر من دخوله المستشفى، وكعادته -رحمه الله- كان بشوشًا، وقورًا، يرحب به الجميع، ويجلّه، ويحترمه، وكانت سعادة سمو الشيخ حاكم عجمان ضيف الشرف لرؤيته واضحة، وكذلك الضيوف، ومنهم معالي الأديب الشيخ عبدالعزيز السالم، صاحب حكمة يُغبط عليها، والذي قال يومًا لي وقبل أكثر من خمسة عشر عامًا: الشيخ عبدالرحمن الجميح رجل فاضل، طيّب من أسرة كريمة هو درتها.. إنه كان هكذا -رحمه الله- وإن أبلغ ما يثبت ذلك في ذاكرتي هو أن تسمع من زوج ابنته أخي الأستاذ إبراهيم الجميح أنه حين فقد والده عوّضه الله بعمّه والد زوجته المرحوم عبدالرحمن الجميح، فكان له نعم الأب، والعم، والصديق، وكان -يرحمه الله- كذلك أبًا وأخًا وصديقًا لكل من عرفت، وعرفه. عاش -رحمه الله- حياته أشبه ما يكون ضيفًا تطغى عليه سمة الأدب الجم، وحياء الإيمان الفارق، وكان وقورًا لا ينطق لسانه إلاّ خيرًا، يغمرك لطفه، واحترامه، فيرغمك ذلك على حبه، والركون إليه. وكما يقول أخي معالي الأستاذ عبدالرحمن السدحان صاحب الأدب الجم، فيصفه بالرجل المسلم الطيب المسالم، الذي يخدم الناس بلسانه ويده. رحمك الله يا أبا عبدالله، وأسكنك فسيح جناته، وأثابك عنا خيرًا، وألهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ورحمتك يا الله. وبعيد استيداعك أبا عبدالله مقبرة العدل بمكة.. لم أستطع أن أقاوم كتابة ما جال في خاطري، فكانت هذه الأبيات: يا عابدَ الرحمنِ خلتُك راجعًا ما خلتُ دونكَ تُوصدُ الأبوابُ كالضّيفِ عشتَ، بكَ الحياءُ مميّزٌ بيضٌ فِعالُكَ كلُّها أطيابُ نمْ في حِمى الرّحمنِ حسبُكَ مؤمنًا اللهُ يكرمُ إنّه الوهابُ لكَ في الحياةِ بما صنعتَ مكارمٌ يشهد بِها الغرباءُ والأصحابُ هذي الجموعُ أتتْ تُسابقُ بعضَها فتحيّرتْ مِن حبِّها الألبابُ القلبُ يحزنُ والعيونُ شواخصٌ النّاسُ تكتمُ لوعةً فتُثابُ الموتُ حقٌ إنْ أطلَّ فإنّه هرعتْ إليه تبيحُه الأسبابُ قد لا يُفاجئنا الرحيلُ لأننا باتتْ تعضُّ بحالِنا الأنيابُ يا عابدَ الرحمنِ خِلتُكَ راجعًا فالحالُ دونكَ عزلةٌ وعذابُ نمْ في حِمى الرّحمنِ حسبُكَ صادقًا والصدقُ ما فرحتْ به الكُتّابُ