قراءة في قصة (حملة النعش) قصة (حملة النعش) لمحمد زيّاد الزهراني هي قصة العطاء في غير محله. فالقصة تفترض حسن النوايا في مجتمع القصة، مجتمع بسيط إلى حد السذاجة، وعطوف إلى حد البكاء، ومقبل على الخير دون سؤال. هذا هو المأزق لذي أوحت به القصة. مجتمع يمكن استدراجه وإقحامه موارد الهلاك. لقد تمثّلت رمزية القصة في حدث مؤلم تنتفي معه لحظات التعقّل. وهو الموت، ولكن أيّ موت. موت شخص ما، ليس ضروريًّا لمجتمع تمّت برمجته لتقديم المساعدة دون سؤال. فالنعش رمز انتكاسة، رمز الفراغ من البناء والتعلق بالغائب دون الحاضر. لقد عبّرت القصة بحدّة متناهة والقوم يكتشفون فساد بصيرتهم: “... وعندما رفعوا الغطاء الأول، الثاني، الثالث، كانت المفاجأة مخيبةً للآمال. إنها دُمَى، ملمَّعة تسكن ذلك النعش”. لا يمكن للقارئ أن ينسب فكرة القاص بعيدًا عن سياقها الاجتماعي. فمشكلة مجتمعنا هو عفويته وغفلته واتساع انفعاله بدعوى فعل الخير دون أن يدرك أن كثيرًا ممّا يفعل مستغل من قبل جهات أو أشخاص لهم أغراضهم التي تنسف استقرار المجتمع. فالصدقة والاحسان ليستا دائمًا مفتاح الاستقرار، فقد تكون بابًا من أبواب الاسترزاق والتوظيف لأغراض غير سلمية. لا أريد أن أتوسع في البحث عن مدلولات للقصة. غير أن فاعلية النعش واندفاع القوم دون سؤال، وكشف زيف المحتوى هو نفسه ما يواجهه مجتمعنا من دفع للإحسان، وبعد حين يكتشف المجتمع أنه يستثمر في زعزعة أمنه. والفرق بين القصة والواقع أنّ القصة فضاء من الخيال الذي يمر في الهواء، بينما يمر في الواقع على أجساد الأبرياء. القصة (حملة النعش) هي قصة الفعل الحسن في غاية قبيحة. لقد نجحت القصة بتوظيف النعش، من حيث دلالة الحرمة التي لا يقربها أحد، ومن حيث جلال الموقف الذي يربك ولا يترك لحظة للتأمل. أما الحملة (حملة العنش) فهو تعبير معبّر من حيث قدرته على اقتراح شمولية المجتمع في مقابل المصير المشترك المتمثل في النعش الذي يعبر عن لحظة الفناء. القصة خالية من التشكيل السردي المعقد، لكن جودتها تكمن في بساطتها، بدء بالحدث المنساب بهدوء وكأنه يروى نكتة أو طفرة ربما تكون قد حصلت بالفعل، غير أن استثمارها كان موفّقًا، كما أن اللغة مباشرة غير أنها مناسبة لإيقاع القصة عمومًا. [email protected]