ما الذي يدفع شخصاً ينتمي إلى عالم المعرفة والقيم والمثل لقبول شهادة علمية يطعن في صحتها ؟! ويتهم بتزييفها ؟! ما الذي يدفع أحد منسوبي الجامعات أو التعليم إلى القبول بدفع مبالغ طائلة إزاء شهادة علمية هو أول من يعلم بزيف إثباتاتها وعدم سلامة إجراءاتها ؟! إن من يتتبع الإعلانات عبر المواقع ووسائل الإعلام عن الجهات العلمية التي تمنح شهادات عالية في درجتي الماجستير والدكتوراة سيقف حائراً بسبب تناميها وتزايدها رغم تيقنه من عدم حصولها على اعتراف من قبل الجهات الرسمية في هذا المجال، وأعني بها وزارة التعليم العالي أو حتى وزارة التربية والتعليم، لقد تزايدت إغراءات هذه المراكز و (الأكشاك) لمنح الشهادات العليا إلى درجة أنها أصبحت تبشرنا بظهور «فلتات» ومعجزات علمية، إذ لا يستغرب أن تجد أحدهم قد حصد البكالوريوس والماجستير والدكتوراة مجتمعة في أقل من ثلاث أو أربع سنوات و (الحساب يجمع !!) إننا إذا ما التمسنا لهذه المراكز بعض العذر في وجودها في ظل غياب الرقابة والمحاسبية، ووجود من تسوق عليهم مثل هذه الشهادات؛ فإن العجب يتزايد إزاء بعض منسوبي الجهات التعليمية الذين يقبلون (وهم في موضع القدوة) إعطاء شيء من المشروعية أو المصداقية لمثل هذه الجهات بقبول حمل شهاداتها والتباهي بالحصول عليها، وليس ببعيد عنا قرار وزير التربية والتعليم السابق بتجريد مجموعة كبيرة ممن يحملون شهادات الدال من ألقابهم والتوجيه بعدم مخاطبتهم بذلك. كما أن العجب يتزايد ممن ينتسبون إلى عالم التدريب ويدعون تطوير الذات وإطلاق القدرات وتنمية المهارات؛ إذ كيف يقبلون القيام بذلك وهم ممن يرضون بذوات ضعيفة، وشهادات مزيفة. ... ليتهم تعلموا - على سبيل المثال - من الشيخ محمود شاكر عليه رحمة الله الذي اضطر إلى الانسحاب من الجامعة ولكنه لم يتوقف، بل ترك لنا مفاخر علمية وثقافية دون أن يبحث عن شهادة ورقية مزيفة. إننا ندرك أننا نعيش في زمن يشهد تغيراً في القيم والمبادئ، ولكننا نستنكر أن تمس قيم ومبادئ تتصل بالعلم والمعرفة، لما لهما من صلة بالعقل الذي ميز به الإنسان عن غيره. ولخطورة هذا الأمر وتنامي هذه الظاهرة فإن البحث عن المسببات يظل مطلباً هاماً ! فهل هو نتاج الرهاب الاجتماعي على المتعلمين لإكمال مسارهم العلمي بأي شكل كان؟! أم يتمثل السبب في مجتمع يبارك هذا الزيف عبر احتفاءات وتهانٍ في غير محلها ؟! أم أن السبب يكمن في جامعات لا زالت بمعزل عن احتياجات أبناء مجتمعها ؛ وبالتالي فإن فرص الدراسات العليا فيها محدودة رغم أنها أولى بالمبالغ التي تدفع إزاء شهادات غير معترف بها ؟! أم يتمثل السبب في انعدام المحاسبية والرقابة الأمنية على مراكز السرقات العلمية ؟! أم أن السبب – يتمثل في جهات ومراكز مؤسسية تقبل بمثل هذه الشهادات ؟! أو أن الأسباب تتمثل فيها مجتمعة ؟! ؟! ما أدركه جيدا أن الطلب على هذا النوع من الشهادات يتزايد.. وأن الجامعات بمعزل عن هذه المشكلة وكأنها ليست معنية بالتعليم العالي بمدخلاته ومخرجاته.. أو حتى تكلف نفسها عقد ندوة لمناقشة هذه الظاهرة ووضع الحلول المناسبة لها لاعتمادها من وزارة التعليم العالي!!! سواء كانت هذه الحلول تتمثل في الاعتراف بهذا النوع من التعليم بعد وضع الضوابط اللازمة لقانونيته.. أو في منع مثل هذا النوع من التعليم ...أما السكوت على الوضع القائم دون تحريك ساكن فهو أمر ينافي العقل والمنطق!!! كما يفوت فرص الاستفادة من الاستعداد العالي لهؤلاء الراغبين في الحصول على شهادات عليا!! نبضة عقل: المعرفة المزيفة .. لا يمكن أن تمنحنا ضمائر حيّة !!