قلة الوظائف، والبطالة، وأزمة السكن، واضطراب الأمن، هذه علل عند فئة في الكتاب والرحمة بالمرأة والخوف من الفشل في التربية، علل أخرى عند فئة أخرى. كل تلك العلل مسوغات لما يسمى ب(تنظيم النسل) بعد فكرة (تحديد النسل) الفاشلة، في كل زمان ومكان!! وقد تكرمت (الحظيرة) المعاصرة بالتفنن في صنع (موانع الحمل) ووسائله (كبسولاته) لا خدمة للإنسان ولكن لقتله، ولا رحمة بالمرأة بل لضياعها ولا لصحة المجتمع ولكن لمرضه وهلاكه! يقول أحد سدنة "تنظيم النسل": المآسي الكثيرة المحزنة عن الأسر الفقيرة كثيرة الأطفال والتي ينوء أهلها بإعالتهم وتكاليف تربيتهم وتنشر الصحف العديد من أخبارها وصوراً تظهر حالتهم البائسة تستوجب منا التفكير الجاد في المشكلة، المثل العربي يقول كثرة العيال مبخلة مجبنة، وأصبحت الآن سبباً للتسول وللجريمة بكل أشكالها، كلها، كلما زاد عدد الأطفال زاد حصار الفقر والبؤس والجهل والمرض....). هكذا يقول ذلك (المنظر): ليته قال: انه يتحدث عن الصين أو الهند بلدي المليار نسمة! ليته قال: كلما زاد عدد الأطفال (عند بعض الأسر)! ولكنه وبعبارة فضفاضة عامة يحكم على مجتمعنا بكامله بأنه كلما زاد عدد الأطفال فالنتيجة الحتمية - في نظرة الثاقب- فقر وبؤس وجهل ومرض. أي سذاجة وحماقة (وجهل) يتمتع به ذلك الكاتب. والواقع يكذب ما قاله جملةً وتفصيلا، فنحن في بلد مساحته تزيد على قارة وثرواته تعادل ميزانية أكثر من خمسين دولة وفرص العمل فيه لا توجد في عشرات الدول، ومستوى التعليم فيه ولله الحمد بلغ معدلات راقية جداً. ما هكذا تورد الإبل أيها الفيلسوف، المشكلة ليست في عدد الأطفال ولكنها في تربية المجتمع وتربية الأفراد. فبيوتنا واسعة جدا تتسع لعشرة أضعاف أبنائنا، وثرواتنا كثيرة جداً، وزكاة أموال الأثرياء كافية – لو دفعت - لسد حاجة الفقراء لعشرات السنين. ومدارسنا واسعة جداً لم يشغل من طاقتها في أغلب المدن والقرى سوى النصف فقط!! أما النسل فقد تكفل الله تعالى برزقهم وحاجاتهم واقرأ في ذلك قول الله تعالى (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) هود:6، وقوله تعالى (وفي السماء رزقكم وما توعدون) الذاريات:22، وقوله(وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) العنكبوت:60، وكان رد القرآن الكريم قوياً على طائفتين من الظالمين؛ طائفة يقتلون أولادهم لأنهم فقراء ويخشون أن يزيد النسل فقرهم وطائفة ليسوا فقراء ولكنهم يخافون أن يجلب لهم النسل الفقر.. فقال ردا على الطائفة الأولى (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) سورة الأنعام:151، لا تقتلوا أولادكم بسبب فقركم الواقع فإن مجيء الأولاد من بنين وبنات سيكون سبب الغنى لكم نحن نرزقكم وإياهم. وقال رداً على الطائفة الثانية (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) سورة الإسراء:31، لا تقتلوا أولادكم خوفاً أن يحل بكم الفقر بسببهم، فإننا سنرزقهم وسيزيد رزقكم بركة من الله وإنعاماً منه تعالى بسبب مجيء الأولاد من بنين وبنات. ثم إن ذلك الكاتب الجاهل الأحمق يقول: (المثل العربي يقول كثرة العيال مبخلة مجبنة)!! والوارد المشهور هو (العيال مجبنة مبخلة) وليس:كثرة العيال، والمعنى إذا رزق المرء عيالاً ولو واحداً فإن العيال سبب الخوف الإنسان من السفر وركوب المخاطر لا خوفاً على نفسه ولكن خوفاً على مستقبل الولد أو أكثر، ومبخلة: أي أن إنفاق المرء – في الغالب – يقل حينما يرزق عيالاً لأنه يفكر في الإنفاق على عياله فيقل كرمه لإنفاقه على عياله. وليس في هذا شاهد على موضوع تحديد النسل من قريب أو بعيد، فالشجاعة والكرم خصلتان من شيم العرب أصيلة في حياتهم مهما بلغ عدد العيال، والتاريخ والواقع يشهدان بذلك. وقد علمتنا الأيام أن البذخ على ولد واحد يكفي أحياناً للإنفاق على خمسة، وعلمتنا الأيام أن بيتاً فيه عشرة أبناء وبنات كلهم يحفظون القرآن الكريم كاملاً، وقد حصلوا على وظائف بعد تخرجهم مباشرة. وأن رجلاً لديه اثنان أو ثلاثة تعثروا في دراستهم ولم يحصلوا على أعمال وظيفية وبقوا عالة على والديهم! ووجدنا أن تحديد النسل لا وجود له عند بعض الفرق الضالة، والمذاهب المنحرفة، والملل الكافرة، بل إن أولئك يشجعون على: 1- تعدد الزوجات وإباحة ما كان منه محرماً – في ملتهم-. 2- تكثير النسل لأنه سبيل إلى فوز في انتخابات وتحقيق مآرب مادية ووظيفية. ألسنا بحاجة ماسة إلى تكثير النسل استجابة لدعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال:(تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)، ونحن بحاجة إلى تكثير النسل في مقابل كثرة الوفيات التي تسببها حوادث السيارات والحروب وغيرها. ونحن بحاجة أمس إلى حسن التربية لنسلنا وان نكون خير قدوة لهم في كل فضيلة وخير وعمل نبيل. لأن التربية هل الحل الوحيد لما تعانيه البلاد من فساد وفقر وجهل يشكو منها ذلك الكاتب وغيره..ولقد استفادت بلادنا من أيتام ومن بنين وبنات بلغ عددهم العشرات حينما ربى هؤلاء وأولئك تربية صالحة فكانوا من أفضل المواطنين الذين عزت البلاد بهم وحماها الله بجهودهم فكانوا تاج البلاد وشهادة تقدمها ونهضتها. وهنا ملحوظة يسيرة اختم بها: وهي أن بعض الكتاب لما وجدوا رفضا قوياً لدعوة تحديد النسل غيروا اللفظ دون المعنى فقالوا: تنظيم بدل تحديد والقصد واحد، إذ أن ما يمكن أن يسمى( تنظيم) قد ورد في الشريعة الإسلامية. فذكر علماؤنا أحكام الإجهاض وإسقاط الحمل إن خيف على حياة أو وإحكام ذلك مثبتة في كتب الفقه وليس فيها مجال لاجتهاد مجتهد متأثر بالدعوات الغربية أو الشرقية أو مردود لمصطلحاتهم ف(الانفجار السكاني) مصطلح مستورد مغرض، والتخويف من الفقر والمرض دعوة من صنع أعداء المسلمين قديماً وحديثاً منذ أن كانت الجاهلية تدفن الأولاد وهم أحياء ورد عليها القرآن الكريم كما أسلفنا. أما نحن اليوم فلدينا ثروات وخيرات تكفي لحاجة أولادنا وأولادهم وتضمن – بإذن الله تعالى – حياة صحية وعزة وتقدم لمواطني بلادنا جميعهم إن أحسن استغلالها وأداء حقوق الفقراء والأيتام فيها وهي حقوق واجبة لا منة فيها لأحد. أما فرص العمل فإنها موجودة إلى الجد الذي يكفي لأولاد السعوديين جميعهم إن تزوج كل سعودي بأربع زوجات وأنجب منهن ما شاء الله من بنين وبنات، فستة ملايين أجنبي يعملون بالمملكة عدد كبير جداً. متى نستطيع أن نأتي بمن يحلون محلهم لنستغني عنهم أسوة ببعض الدول المجاورة لنا وغيرها؟! • عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية