أنطلقُ في مقالي هنا ممّا انتهى إليه الصديق الأستاذ عبدالله فراج الشريف حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مقاله «حوادث الهيئة بين الإثبات والنفي» (المدينة: 26/2/2010)، والذي تحدث فيه عن أخبار الحوادث التي تكون هيئة الأمر بالمعروف طرفًا فيها، وتراكم التساؤلات مع كل حادثة، الأمر الذي يسيء إلى الهيئة، ويصرف الناس عن الثقة فيها.. خاصة وأن الهيئة تغض النظر عن أخطاء منسوبيها، وتحمل الناس مغبة تلك الأخطاء، بل وتحاسبهم على ردود أفعالهم على تلك الأخطاء! ويُنهي الشريف عبدالله مقاله بتمنّي صدور «نظام جديد للهيئة يحدد مهامها وآلياتها بصورة محددة منضبطة لا غموض فيها، ولا احتمال، ولا يمكن تأويلها بهوى ممّن يطبق مواده». ولن أكرر هنا الحديث عن ما تنقله كثير من الصحف، ويكتبه كثير من الكُتّاب، وتنقله كثير من مواقع الشبكة العنكبوتية، ووكالات الأنباء العالمية عن أخطاء الهيئة، وممارسات منسوبيها التي جعلت منها المصادر الخارجية مدخلاً للإساءة إلى المملكة، والتندر على أنظمتها الاجتماعية والقضائية، ناهيك عن الإسقاطات على نظامنا السياسي، ولكن أشارك الشريف عبدالله فراج حول ضرورة صدور نظام جديد للهيئة. فرغم أن جهاز الهيئةِ هو جهازٌ حكومي يعملُ حسب أنظمةٍ ولوائح، إلاّ أن كثيرين يرون أنه نظام عفا عليه الزمن، وأصبح لا يتناسب مع واقع العصر، ولا مع تداخل سلطات أجهزة حكومية أخرى، وهو ما جعله نظامًا فضفاضًا غير محدد الملامح، يجتهد كثير من منسوبيه خارج النص. وإذا كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المفكر تستغرب، بل وتستنكر كل دعوة تنادي بضرورة «مأسسة» الهيئة بدعوى أنها «جهاز حكومي يرتبط رئيسه مباشرة برئيس مجلس الوزراء، فكيف يتصوّر أي إنسان ناهيك عن أن يكون مثقفًا وكاتبًا أن ليس له (نظام مؤسساتي)؟! فإن موقفها من تقرير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، التي هي بدورها هيئة أنشأتها الحكومة، والتي ورد فيه انتقادات للهيئة ومطالبات بإعادة صياغة اختصاصاتها بلغة دقيقة بما يضمن عدم إساءة استخدام السلطة المخوّلة لها من قِبل بعض منسوبيها بشكل يترتب عليه انتهاك حقوق الإنسان، يصبح موضع تساؤل وحيرة. فهذا التقرير يجب أن تعتبره الهيئة رسالة من المواطنين إلى جهاز الهيئة، يدعونها فيها إلى أن تكون لغة الحوار مطروحة، وخاصة بين فئات المجتمع، والأطياف المتشددة من أعضاء الهيئة. وإذا كنت أتفق مع رئيسها السابق الشيخ إبراهيم الغيث بأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «لا تملك حق التغيير في نظامها، وأن رئاستها تنتظر توجيهات من جهات عليا حول ذلك»، فإنني أشارك التوقعات التي ترى أن هناك مزيدًا من التطوير لجهاز الهيئة، «وأن يكون لديها هدف أسمى من متابعة ومطاردة النساء، والتعرّض لهن». فنظام الهيئة الحالي الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم (م - 37) وتاريخ 26-10-1400ه أصبح الآن قديمًا بحكم الزمن، وهو كغيره من الأنظمة الحكومية يستوجب إعادة النظر فيه، وتحديث مواده بما يتواءم مع المعطيات التي مرت بها البلاد خلال ثلاثة عقود. وأرى أن مجلس الشورى هو الجهة القادرة على مراجعة النظام الأساسي للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ثم اقتراح نظام جديد يضعه أمام ولي الأمر. فالمجلس يقوم كل عام بمناقشة ومراجعة تقارير الجهات الحكومية وأنشطتها، ومنها جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لذا فإن مجلس الشورى قادر على معرفة أوجه القصور في عمل الهيئة، ومدى حاجة نظامها للتحديث، ووضع نظام يتناسب مع العصر. وأخيرًا لا أعتقد أن ما أقدم عليه جهاز هيئة الأمر بالمعروف أخيرًا لتنفيذ دراسات تطوير جهاز الهيئة وفق إستراتيجية جديدة للهيئة، الذي أعلن عنه أخيرًا (موقع مفكرة الإسلام ((www.islammemo.cc، 23/2/1431ه)، لا أعتقد أن هذا التنظيم سيُغني عن ضرورة تحديث نظام الهيئة، خاصة وأن محتوى الخطة سيعنى بالجوانب الإدارية والتنظيمية والإجرائية والفنية فقط.. ونتمنى أن لا تمضي فترة طويلة قبل أن نرى مشروع تطوير نظام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أرض الواقع، وذلك وفق مفهوم عصري ينقلها من النظر إليها كشبح أو «فزاعة» للناس إلى مؤسسة حضارية تساهم في الرقي بأخلاقيات التعامل مع معطيات العصر، وتحقق الأمن النفسي والاجتماعي والفكري، وتعكس وعي المجتمع والمواطن من أجل حياة تسودها الفضيلة في عصر متقدم، فالحسبة، كما يؤكد فضيلة الدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى، وإمام وخطيب المسجد الحرام، هي إحدى وظائف الدولة المسلمة الكبرى، وأحد أركانها وثوابتها.