قصّة فيها عبر عظيمة يرويها الشيخ محمد العوضي يتحدث فيها كيف أدركته صلاة المغرب خلال وجوده في أحد المجمعات التجارية فذهب للصلاة في زاوية صغيرة في ذلك المجمع حيث وقف في الصف الثالث، «كانت قراءة القرآن»، كما يقول، «تتلى بصوت جميل وبأداء سليم رغم أن الذي يصلي بنا ليس عربياً والعجمة ظاهرة على لسانه، انتهت الصلاة وإذا بالإمام شاب حنطاوي البشرة نحيل الجسد، متوسط القامة، غطت خدّه لحية خفيفة، جلس بعد الصلاة بهدوء يسترخي من عناء الدنيا بالتسبيح». أقترب الشيخ من الذي صلّى بهم، هو وجمع من الأطباء وبعض مرتادي السوق التجاري، وسلّم عليه وسأله: ما وظيفتك؟ فقال: زبال، سأله: أين تعلمت تلاوة القرآن؟ فقال: تعلمته وحفظته في مدينة كيرلا بالهند. واسترسل معه الشيخ العوضي في الحديث عن معاشهم ... سكنهم ... شركتهم ... أوضاعهم .. الخ. والخلاصة هنا هي أن إنسانًا فقيرًا وغريبًا هاجر آلاف الأميال من أجل دنانير معدودة، من أجل تأمين الرزق له ولمن يعول. ويرى الشيخ العوضي أن التبسط مع هؤلاء ومواساتهم عبادة لا تقلّ عن الصلاة. أما العبرة الكبرى التي خرجت بها شخصياً فهي كيف أن زبالًا فقيرًا أعجميًا يؤم ويقود مواطنين ودكاترة وأطباء ومسؤولين. إن في هذا المشهد أكبر مثال لتعزيز قيمة التواضع والمبدأ القرآني (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). ما سبق يقودني إلى حادثة وقعت معي شخصياً حيث أصلي في مسجد صغير أقامه صاحبه تحت عمارة سكنية حيث أقيم في القاهرة، وفي أحد الأيام أقبل علي مؤذن المسجد بعد صلاة الفجر طالباً مني أن أقوم بإمامة المصلين إذ يتبرع كل يوم أحد المصلين بالإمامة. أجبته بأنني ضيف على هذه البلاد، والسنة هي أن لا يُؤَم الرجلُ الرجلَ في سلطانه، فلا يجوز أن يتقدم للصلاة إلا صاحب السلطان، أي صاحب الدار ... إلاّ أن يأذن لمن يريد.. حتى لو كان من يصلي بهم أفضل منه قراءة وتلاوة وعلماً وسناً وهجرة. لكن الواقع المؤلم هو أن سبب امتناعي عن تلبية الدعوة للإمامة، علاوة على ما قلته أعلاه، هو عدم حفظي للقرآن الكريم. ففي الوقت الذي رأى الرجل في شخصي ما شجعه على أن يطلب مني إمامة الناس كنت في داخلي أستصغر نفسي، وقد رأيت في الزّبال الهندي ما رآه الدكتور العوضي «من الصدق والإخلاص ما يفوق آلاف المواطنين من طول البلاد وعرضها لا فرق بين أبناء بطنها أو أولاد أصابعها أو منتجات «وسطها»!! فاللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا .. اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني .. اللهم اجعلني شكوراً، واجعلني صبوراً، واجعلني في عيني صغيراً، وفي أعين الناس كبيراً ... اللهم افتح مسامع قلبي لذكرك ، وأتبع نصيحتك، وأحفظ وصيتك.. اللهم آمين. نافذة صغيرة: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } الحديد: الآية 20