القاضي سابقاً الأستاذ محمد الدحيم كان ضيفا على إضاءات تركي الدخيل ظهر الجمعة (12 فبراير). وقد أثبت بحق أنه مفكر فوق العادة، كما هو مطلع على كثير من القراءات الفكرية المعاصرة التي ربما صبغت بعض الشيء فلسفته في الحياة ونظرته للعلاقات الإنسانية والقضايا الفقهية المعاصرة. واستوقفني جداً وصفه لحقيقة الفقيه، فهو ليس بالشيخ الذي يردد أقوال الغابرين بلا تمعن دون أن يسقطها على الواقع الذي يعيشه الناس من حوله إما كسلاً وإما جهلاً وإما تشدداً، ولكن الفقيه حقا هو الذي يحسم التمييز بين (خير الخيرين، وشر الشرين). وأما الذين يفتون في قضايا العصر بأقوال غريبة لقدماء سابقين، فليسوا بفقهاء، وإنما هم حفظوا شيئاً وحسبوه صالحاً لكل زمان ومكان مهما امتدت الأجيال وتطورت الأحوال وتغيرت الأخلاق والظروف. ومن أمثال هؤلاء من يرى بصحة التفريق بين زوجين هانئين متحابين لهما أطفال وذرية لأنه يرى في عدم تكافؤ النسب شراً، في حين تغفل عيناه شراً أشد وأنكى، وهو هدم بيت وضياع أطفال وتشتت أسرة. هو يحسب الخير كل الخير في نقاوة الدم، ولا يرى خيراً في سعادة أسرة وبسمة طفل وبناء عش هانئ كريم. ومن هؤلاء القصيرة أنظارهم ذلك الذي يتحدث ساعة عن إكرام الإسلام للمرأة وحفظه إياها عن العمل المرهق والاختلاط المفزع. ولو سُئل هذا المتفيهق نفسه عن مدى إلزامية الشرع للزوج بالإنفاق على علاج زوجته حين تمرض، أجابك برأي غريب اجتزه من أحد بطون الكتب العتيقة، ليقول حفظه الله (لا يُلزم الزوج بذلك). عجيب أمر هذا الفقه الذي يرفع من شأن الرجل يموت شهيداً في سبيل الحفاظ على شرف زوجته، ثم لا يلبث أن يتركها تموت مريضة لأنه غير ملزم بعلاجها! ما جدوى حفظ الفرج إذا مات الجسد أصلاً؟ وأي أنثى في الدنيا تكن حباً أو تحفظ وداً لرجل يدافع عنها لأنها عرضه، في حين يتركها تتألم وربما تذوي حتى الموت طالما كان العرض محفوظاً فهو له، وأما الجسد فهو لها ولا يلزمه شيء من حفظه.! [email protected]