وبدوره يقول الشيخ علي الحكمي عضو هيئة كبار العلماء: فقه التوقع يسمى استباق المسائل والبحث عن أحكامها فهذا المنهج سلكه بعض الفقهاء بل أن أحدهم كان يردد أرأيت .. أرأيت إن كان كذا ثم يجيب على نفسه أو يأتي الجواب من غيره حتى سمي هؤلاء بالآرائيين. وهذا المنهج لم يرتضه جمهور العلماء والسلف والفقهاء والمحدثين ونهوا عنه لعدة أمور منها: أن فيه اختراقاً و بعداً عن الأخذ بالأحكام الشرعية بأدلتها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكثير من هؤلاء كانوا لا يأبهون لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقدر ابتعاد الفقيه عن السنة المنقولة في السند الصحيح يكون قربه من الوقوع في الخطأ. وأضاف قائلاً: افتراض المسائل التي لم تقع، وبذل الجهد في استنباط أحكام لها فيه إشغال للوقت وبذل للجهد في ما لا حاجة إليه ولا مصلحة راجحة تدعو إليه، ووقت المسلم أغلى وأثمن من أن يصرف في ما لا حاجة له، وفي النوازل والوقائع الهامة ما يستغرق الوقت والجهد وربما يزيد عليه، بل قد وردت إشارات ودلالات واضحة تنهى عن تخيل المسائل وافتراضها ما لم تكن قد وقعت لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تَسألوا عَن أشياءَ إِن تُبْدَ لكم تَسُؤْكُم وإن تسألوا عنها حين يُنَزَّل القرآنُ تُبدَ لكم) وهذه الآية وإن نزلت في سبب خاص في زمن الوحي، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بسبب النزول، ففيها إشارة واضحة إلى النهي عن افتراض المسائل وعن السؤال عما لم يقع، بل قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، أي: كثرة السؤال، كما صح عنه أنه قال: إن الله كره لكم القيل والقال وكثرة السؤال وقد كثرت الروايات عن الصحابة رضي الله عنهم في ذمهم افتراض المسائل، هذا مع أن افتراض المسائل وتصور المشكلات قبل وقوعها ثم البحث عن حلولها وأحكام لها قد تكون فيه مصلحة لعلاجها قبل حدوثها، فإذا حدثت كان حلها موجوداً وحكمها معلوماً، إلا أن هذه المصلحة مغمورة وذلك بإشغال الوقت فيما لا حاجة قائمة إليه وصرف الفكر والعقل والجهد عن النظر في الأدلة الأصيلة الواضحة بنصوصها ودلالاتها وكفاياتها. وختم الحكمي بالقول: لو كانت هناك مصلحة راجحة في افتراض المسائل وبيان أحكامها لنص الشارع على كل جزئية من الجزئيات وكفى الناس عناء الاجتهاد والعناء والنظر، لكن حكمة الله ولطفه بعباده اقتضت عدم تكليفهم والبحث عما لا حاجة لهم به، وما أحسن قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال: إياكم وهذه العول فإنها إذا نزلت فإن بعث الله إليها من يقيمها و يفسرها، العول أي: المشكلات.