تابعنا الحوار الذي أجراه الاستاذ ساري الزهراني مع العلامة ابن عقيل الظاهري حيث كان حوارا موسعا تناول فيه اغلب القضايا التي تدور على الساحة وقد كان رائعا بالمامه بما يدور في الساحة الثقافية والفكرية والادبية وهو بذلك يخالف ما هو معروف عن العلماء من عدم اطلاعهم على المعارف الاخرى غير الشرعية ، فقد وجدناه عالما شرعيا واديبا ومفكرا ومثقفا وقد فرد بهذا الحوار اصول مذاهب الاثر عموما وليس المذهب الظاهري فحسب بل مذهب كل من يتحدث خارج العقل الشرعي فهو خلاصة لمنهج اهل الحديث في التعامل مع النصوص ، وقد كانت ظاهريته واضحة للعيان وحاول نفي هذه التهمة عن المذهب حينما قال ان الظاهر يراد به كل ما هو ظاهر من احكام الشرع وهذا في غير محله فالظاهر ليس معنا عاما في الشريعة وانما طريقة للتعامل مع النص أي قراءة للنص وليس منهج استنباطي عام كما هو الحال مع القواعد الفقهية فهناك القراءة الظاهرية وهناك قراءة المعاني ، والظاهرية يعتمدون القراءة الأولى ولا ياخذون بالمعاني ولا العلل فلا يمكننا ان نقول انهم يأخذون بالظاهر من الشريعة كأحكام بل الوضع على العكس فشطحاتهم ليست مما ظهر من الشريعة بل ما ظهر كحكم هو ضد قولهم فلم يظهر من الشريعة ان البكر في العصور الماضية اذا قالت انا موافقة على الزواج ان القبول باطل وان الأولى ان تكتفي بالصمت ، ولم يظهر من الشريعة انه اذا سقط الفأر في الزيت فانه ينجسه او يلوثه دون سائر المائعات فلو سقط في الحليب فلا ينجس ، ولم يظهر من الشريعة ان البول حينما يوضع في اناء ويصب في الماء الراكد يختلف عن التبول المباشرة به ولم يظهر في الشريعة قولهم في النظر الى المخطوبة فهذه شطحات كبرى في المذهب الظاهري وبعد عن العلل وعن المعاني وهو ما جعله مرفوضا عند الاكثر ، فهذا التعامل الحرفي قد رفضه جل العلماء وهذا دليل على ان الشريعة تقيم للعقل دورا كبيرا في معرفة الاحكام وهذا الدور يظهر من خلال تبني علماء كثر لمنهج العقل حتى انه اصبح قسيما رئيسيا لمنهج الحرفية ويتفوق عليه من حيث الانتشار وتبني الناس له فلو اخذنا نبذة عن المذاهب وانقسامها فسنجد ان البعد العقلاني هو ما قسم المذاهب السنية حيث انقسموا الى مذهب الرأي ( العقل ) ومذهب الحرفية (الأثر) وهذا في الاستنباط ، وقبل الاستنباط كان هناك التحقق من ثبوت النص والذي نحى الى توجهين ايضا توجه عقلي يبحث في صحة السند من خلال العقل وتوجه تاريخي يكتفي بالثبوت التاريخي للنص للاخذ به من خلال ترابط السند والوثوق باشخاصه ، وقد راينا من خلال كلام الشيخ ابن عقيل انه ممن يبالغ في السند والوثوق به فهذا يتضح من رفضه للمناهج الحديثة في تصحيح الاخبار كعلم الفيللوجيا والسيمياء وغيرها مما يجد لان مجال هذه العوم هو المتن فمن يؤمن بكون المتن داخلا وبشكل قوي في قبول النص وليس مجرد مقوي للسند او مرجح للمضمون السندي من حيث بنيته سيعتبر مثل هذه العلوم ومن يجعل المتن شئ هامشي فانه سيرفضها ، وهذا الرفض المطلق الذي قرأناه لابن عقيل ينم عن الرفض المطلق ولا غرابة في ذلك فهذا منهج اهل الحديث ، وعموما فهذه المناهج الحديثة تعتبر مساندة او مقوية او مرجحة لا غير وليست كالمتن اي مضمون النص فهي اقل درجة فالنص ان كان يخالف القواعد العامة او العقل فانه يرد لكن لايرد لانه يخالف مدلولات علم الفيللوجيا فهي تدخل في مصطلح الحديث كما تدخل الاسرائيليات في التفسير فهي لاتشكل البنية الرئيسية في التفسير وانما يستأنس بها اي اننا لا نصدقها ولا نكذبها وكذلك هذه العلوم الحديثة مع مصطلح الحديث فلا نصدقها ولا نكذبها فقد يكون الفحص السيميائي صحيحا وقد يكون خاطئا وكذلك الفيلوجي وفي تصوري ان المجال الأكبر لعملها هو الأحاديث التي يدور حولها اشكال في متنها في العصر الحديث بعد ان ظهرت العلوم التي تضعف من متن الحديث كطبقات السماء السبعة ومقدار مسافاتها وحادثة سحر النبي ورضاع الكبير وغيرها واذا عدنا الى العقل فسنجده حاضرا في أي عملية شرعية دينية ولن ندخل في مجال العقائد لنبين ان العقل دخل اليها وحدث صراع حول ذلك بين اهل الحديث والفرق الكلامية فبرغم لاهوتيته الا انه لم يسلم من تدخل العقل ، وبغض النظر عن صحة ذلك او خطئه الا انه يثبت ان العقل فطرة في الانسان لا يستطيع ان يعزله عن أي مجال من مجالات الحياة وهو كذلك بالفعل ولكن ما يهمنا في المذهب الظاهري هو انه يمثل غلاة مذهب الحرفيين ان صح التعبير والتي تسمى بمذهب الاثر وانا ضد هذه التسمية على مستوى الخطاب الإعلامي لانها توحي للمتلقي البسيط ان غيرهم يكفر بالاثر وهذا غير صحيح ولذا استبدلتها هنا بالمذهب الحرفي فمن خلال قراءة الفقه الاسلامي يمكننا القول ان الظاهرية تمثل الجانب المتطرف او المغالي في الاخذ بالمعاني الظاهرية ، والمعتزلة يمثلون الجانب المتطرف في الاخذ بالعقل وان كان تطرفهم قد جاء في العقائد اكثر من الفروع ولكنهما يمثلان طرفي نقيض ولذا فلو قسمنا المذاهب الحرفية بحسب بعدها عن المعاني فسنجد ان اشنعها في ذلك هم الظاهرية ثم يليهم الحنابلة المعاصرون ثم الحنابلة القدماء ثم الشافعية ، ولو قسمنا مستويات المذاهب العقلية فسنجدها غلاة المعتزلة الذين ينكرون علم الله بالافعال ثم معتدليهم ثم بقية الفرق الكلامية ثم المدرسة العقلية الحديثة ثم الحنفية ثم المالكية ، وعموما ما نريد الوصول اليه الى من هذا التقسيم الى عقل وظاهر هو التساوق الشعبي والميول الشعبية تبعا لهذا التقسيم لنرى كيف اندثرت الظاهرية بسبب الهجر الشعبي لها ، فالمذاهب العقلانية في الفروع ذات قبول شعبي اكثر من مذاهب الحرفية وكلما كان المذهب اقرب الى العقل كان القبول الشعبي له اكثر وكلما ابتعد كلما قل الى ان يتلاشى وهذا هو ما حصل للظاهرية ، فلا اتحمس كثيرا لما يقال من ان انتشار المذاهب يعود الى نشاط طلاب الامام في تبليغ اقواله للناس او انه اندثر لان طلابه خذلوه كما قيل في مذهب الليث فهذا ليس في محله وفي احسن احواله انه ان كان سببا فهو يحتاج لسبب ايضا وهذا السبب يمكن ايجازه في ثلاثة عوامل الاول ان يكون للمذهب منهج مستقل به يميزه عن غيره من المذاهب والثاني العامل الشعبي أي القبول الشعبي له والثالث العامل السياسي أي دعم نظام سياسي له وان كان العامل السياسي يدخل في دعم المذهب العقائدي اكثر ولذا لن اسهب في توضيحه ، والظاهرية لم تحظ باي من هذه العوامل وللحديث بقية حيث سأتناول في الجزء الثاني التفصيل في هذه الاسباب •باحث شرعي وعضو هيئة التحقيق سابقا Alweet55 @hotmail.com