أتفق مع نفسي أولا ومع الجميع ثانيا بأنّ برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي مشروع وطني ضخم ، ومنجز حضاري عملاق يضرب في أبعاد المستقبل ، ويبني في آفاقه رموزا تنموية وإنتاجية من خلال تصنيع العقل والفكر ، وصياغة الثروة البشرية صياغة تخترق جدار التردد ، وحواجز صُنّاع الفشل والجمود ، وأتفق مع الجميع بأنّ وزارة التعليم العالي ممثلة في جميع القائمين عليها تبذل أنفس تجاربها وخبراتها الحياتية والعلمية والإدارية ، وأسخى عطاء مادي لتحقيق أهداف هذا المشروع العملاق ، غير أنّ الله قضى أن لا يوسم بالتمام والكمال غير صنعه تبارك وتعالى ، ومن منطلق قناعتي بانّ الخبرات وتطويرها وليدة شرعية للتجارب ومعايشتها ، ومن واقع امتزجت فيه تجربتي الخاصة بأحلام المبتعثات وتطلعاتهنّ وعلى مدى أربعين يوما بساعاتها ودقائقها أرجو أن تعيد وزارة التعليم العالي النظر في معايير وضوابط ترشيح المبتعثات وفق آلية تضمن استثمارا ناجحا للجهود البشرية والمادية ، وليتسع صدر وزارتنا الشامخة لعرض مختصر موجز لأحلام بعض المبتعثات : مبتعثة حلمها وحسب مصطلحها « تثبيت المحرم « وتفسيره أنّ الهدف الرئيس من الالتحاق إلحاق المرافق بالبرنامج لأنّ الحظ تعداه إلى غيره ولا يهمها بعد ذلك الانسحاب ، مبتعثة أخرى تبث وبقوة قناعة راسخة لديها بالاكتفاء من تلك البلاد البعيدة بالحصول على اللغة ثم العودة لإكمال الدراسة في الجامعات السعودية التي تتحدى طموحاتهن بالشروط التعجيزية للقبول في برامج الدراسات العليا ،وثالثة لا حلم لها ولا تعرف التخصص الذي قُبلت فيه ولا البلد التي تسافر إليها ، كلّ ما هنالك أن شجاعة زوجها انتصرت على أعراف قبيلته وتقاليدها بشخصها المسالم الودود ، ورابعة لا سلبا ولا إيجابا إن كتب لها الله التوفيق فبها ونعمت ، وإن كانت الأخرى فمن الشيطان ، ويكفيها أنها حققت «سيحوا في الأرض» و «في الأسفار سبع فوائد» وعلى حساب الدولة أؤكّد أنّ هذا ليس نسجا من خيال ، ولا نظرة سوداوية تشاؤمية للمستقبل ، إنّما هو وصف دقيق لأحلام خالطتها وعشت معها . أتفق مع نفسي ومع الجميع بأنّ هذه الأحلام لا تلغي أحلاما أخرى تتحدى صاحباتها مرارة الاغتراب ، وقسوة البعد عن الأهل لتصنع منتجا حضاريا بأفكار محلية تعود بها بعد أعوام من الكفاح والصبر لتجعلها جزءا من جغرافية هذه البلاد الطيبة ، ونقشا ثابتا في تاريخها العظيم ، وثورة إنتاجية تحمل شعار « صُنع في السعودية » .