يعلم كثير من زملائي أني رجل كثير الأسفار، لذلكم قد أكون قادرًا على المفاضلة بين كثير من خطوط الطيران العالمية العربية وغيرها، المحلية والدولية. وأعلم علم اليقين أن الكثير من اللوم يوجه لخطوطنا السعودية في حال حدوث تأخير على إحدى رحلاتها، أو إلغاء حجز لراكب، أو ضياع بعض الأمتعة، وسوى ذلك. وقد يكون لاذعًا ومؤلمًا. أقول وبالله التوفيق، ودون أي تحيّز لخطوطنا السعودية: إن كل مَن يتعامل مع الشركات الأخرى حول العالم لابد من أن يدرك أن خطوطنا أحسن حالاً بكثير منها، بما في ذلك الشركات الغربية العاملة في أوروبا وأمريكا. وقد يكون الحديث عن الشركات الأمريكية تحديدًا ذا شجون في الوقت الحاضر، ذلك أنني أتنقّل بين المملكة وأمريكا منذ عام 1979م، وعشت المراحل الذهبية لشركات الطيران الأمريكية، وفي مقدمتها (بان أميركان)، و(تي دبليو إي)، و(أميركان إيرلاينز)، و(ينايتد)، وسواها من الخطوط الرائدة العملاقة. وخلال عقدي السبعينيات والثمانينيات كانت هذه جميعًا مثالاً يُحتذى في الانضباط، وتقديم الخدمات المتميّزة للركاب، واستخدام أسطول ضخم من الطائرات العملاقة المريحة كالجامبو، والترايستار، وسواها. وكنا نشعر بالفرق حقيقة بين خطوطنا وهذه الشركات -آنذاك- ونتمنّى أن تحذو حذوها، وتلحق بركابها. أمّا عقد التسعينيات، وسنوات الألفية الثالثة، فقد تردّت فيها مستويات الخدمة بشكل مزرٍ في الغالبية العظمى من شركات الطيران الأمريكية، بعد خروج الشركات العظيمة، أو معظمها كالتي مثّلت بها من العمل بسبب الخسائر التشغيلية، أو المنافسة، أو أسباب سياسية وسواها. حتى أنه (لم يبقَ في الحوش إلاَّ أخسّ الغنم) كما يقول المثل السعودي. فظهرت شركات الطيران الاقتصادي كما تسمّى Budget fly بحجة تخفيض أجور السفر على الركاب، خصوصًا في الرحلات الداخلية في أمريكا، ولكنها هبطت بمستوى خدماتها إلى ما دون الحضيض، بحيث تمنّى الراكب لو أن الأجور بقيت مرتفعة لقاء تحسين الخدمات. وأول شيء فعلته هذه الخطوط هي أنها استغنت عن الطائرات العملاقة والكبيرة عمومًا، واستبدلت بها طائرات هزيلة صغيرة لا تتجاوز حمولة بعضها الأربعين راكبًا، وهي صغيرة في كل شيء، حتى في حجم مقاعدها التي صُممت لصغار الحجم على ما يبدو، ولا تناسب الراكب الأمريكي ضخم الجثة، والذي اعتاد الرفاهية والمسافات بينها متقاربة جدًّا، وعلى الراكب أن يلزم (القرفصاء) طوال الرحلة. ولا تقدم فيها أي خدمات، أو وجبات سوى الماء والمشروبات الغازية، مهما طالت الرحلة! ومَن رغب في أي وجبة خفيفة فإنها مدفوعة الثمن. أمّا الطامّة الكبرى فهي الوزن المسموح به للراكب الواحد الذي لا يتجاوز خمسين رطلاً للحقيبة، أي ثلاثة وعشرين كيلوجرامًا، والحقائب توزن بالجرام، وأي زيادة يترتب عليها دفع غرامة لا تقل عن مئة دولار، كما أن الحقائب التي يسمح بحملها داخل الطائرة يجب أن تكون بوزن وحجم معينين. وإن حاول الراكب تأخير أو تقديم رحلته، وتبديل حجزه لأي سبب كان، فقد يترتب على ذلك مضاعفة قيمة التذكرة، أو على الأقل دفع غرامة لا تقل عن مئة وخمسين دولارًا عن كل خط سير دون أي مناقشة. واجهتُ كل هذه العقبات والتعقيدات في رحلتي القريبة الأخيرة إلى أمريكا، رغم أني تعاملت مع أكبر شركة أمريكية ناقلة محليًّا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، في الوقت الحاضر. وسوى كل ما تحدثت عنه، فقد تم إلغاء رحلة من الرحلات مرتين، وأُجّلت إلى اليوم التالي، وأُلزمتُ بمغادرة المطار، والمبيت في فندق خارجي مع عائلتي، دون أن تعوّضني شركة الطيران هذه بدولار واحد، ولا حتى بترفيع الدرجة، رغم أنها تغرّم الركاب مبالغ كبيرة إن هم أجّلوا سفرهم، أو قدموه كما أسلفت. تذكرتُ وقتها ما كان من الخطوط السعودية في بيروت، حين حصل ما يسمّى Over Booking، وتأجّل سفري مع عائلتي إلى المساء فقط، فاستضافتنا (السعودية) في أفخم فنادق بيروت لبقية اليوم، وصرفت لكل راكب كوبونًا بألف ريال يُستفاد منه في رحلات مستقبلية. كان ذلك قبل أربع سنوات أو يزيد. ولا يستطيع منصف أن ينكر تحسن خدمات (السعودية) الملحوظة في السنوات القليلة الماضية، وانضباط مواعيدها إلى حد كبير، ناهيك عن اتّساع مقاعدها المعروف، وتوفير المصليات في طائراتها الكبيرة، وكذلك اتّساع دورات المياه فيها، وحسن معاملة طواقمها الملاحين مع الركاب، وأسعار تذاكرها المنافسة دوليًّا ومحليًّا. ومع ذلك تجد البعض ينتقدها لبعض القصور المحدود؛ لأن (زامر الحي لا يطرب).