أجمع الخبراء والمراقبون على أن العالم سوف يظل يرزح لفترة طويلة تحت تأثير الأزمة المالية العالمية، وأن بوادر التعافي التي لاحت هنا وهناك، ليست سوى شبح لم تتّضح ملامحه بعد، أهو بشير هذا الذي يتراءى لنا، أم نذير.. أم الاثنين معاً ؟ ويظل الأفضل بالنسبة لنا وللعالم أن نعتقد بأن هذا الشبح القادم هو نذير وبشير في آن واحد، حتّى نحسب لكل خطوة حسابها قبل فوات الأوان، ولعل أبلغ توصيف لوضع العالم من الناحية الاقتصادية، وما يمكن أن يؤول إليه في المدى المنظور، هو ما أفصح به السيد روبرت زوليك رئيس البنك الدولي، حيث وضع النقاط على الحروف، موجزًا الحال في نقاط أساسية هي بمثابة المحطات الصعبة، التي سيمر بها قطار العالم خلال السنوات المقبلة، انطلاقًا من هذا العام 2010، حيث يقول: إن حوالى 64 مليون شخص سيتدحرجون ويسقطون في متاهة الفقر المدقع خلال العام الحالي، حيث بدأ مسلسل هذا السقوط المدوّي منذ عام 2009، كما أن البطالة سوف تصل معدلاتها إلى أرقام قياسية، خاصة في الدول الغنية مانحة المساعدات، بينما يستفرد الجوع والمرض بسكان الدول الفقيرة، ويستبد بها فيؤثر فيها تأثيرًا بالغًا، خاصة في أجيال من أطفالها، ولسنوات طويلة. ولقد حرص السيد زوليك على عدم تركنا في خضم هذه الرؤية القاتمة لمستقبل العالم، دونما طوق نجاة، أو رسم خارطة طريق، ووصفة طبية للخروج من هذا النفق بسلام. فقد أوضح أن الحل يكمن في التركيز على القطاع الخاص، وأن تسعى الدول إلى بناء شراكات وأسس للتعاون فيما بينها، وكذلك دعم الاقتصادات الناشئة. تلك وصفة رائعة خاصة إذا ما أضفنا إليها وصفة صغيرة خرج بها المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد قبيل أيام، حيث أشار في جملة ما أشار إليه للخروج من الأزمة، ضرورة تغيير قواعد اللعبة، والتحرر من التفكير التقليدي، بابتكار أساليب جديدة للتعامل مع الأزمات والمواقف، وأن كل ذلك يبدأ من صانعي القرار. إذن علينا أن نبدأ في تطبيق الوصفة من أسفلها، بأن نغيّر من قواعد اللعبة، انطلاقًا من التفكير بطريقة غير تقليدية، فما أحوجنا اليوم نحن دول العالم النامي أو الثالث كما يطلق علينا إلى تبني أفكار جديدة، فقد وصلنا حد التخمة من تقليدنا للآخر، ولم نتحرك قيد شعرة باتجاه التطور، فيما نجحت دول أخرى في محيطنا رغم تواضع ثرواتها قياسًا بما لدينا. نعم إن القطاع الخاص هو مستودع الطاقة اللازمة لانطلاقتنا نحو التطور في جميع المجالات بلا استثناء، لكن القطاع الخاص، لا يزال يعاني من (الروماتيزم) في بعض مفاصله الحيوية، ويجب معالجته بأسرع ما يمكن، كما أنه بحاجة لتعديل بعض أنظمته وقوانينه لتلبي احتياجات هذه المرحلة، ولا شك أن فسح المجال وإعطاء فرصة أكبر لإغراء الخبرات والقدرات من مختلف أنحاء العالم للعمل معنا، وتوطينها في بلادنا، بدلاً من أن تهاجر للدول الأخرى، أمرٌ من الأهمية بمكان، وفي وسعنا أن نفعل ذلك بحكمة، خاصة مع وجود عقول من الدول الإسلامية، لديها الرغبة الصادقة والحماس للعمل في بلادنا، والانتماء إليها. نافذة: الفعل دون رؤية هو الارتجال، في حين أن الفعل في ظل رؤية، هو الذي يصنع فرقًا إيجابيًّا.