اختتم اليوم الحديث عن الملتقى العربي الدولي لدعم المقاومة الذي عقد مؤخرا في بيروت، ثاني أيام اللقاء كان مشحونا بفعاليات منوعة بين محاضرات وحلقات نقاش، والاستماع لشهادات حية من تجارب المقاومة عربيا وإسلاميا ودوليا، وسرعان ما انتهى بأمسيات شعرية وفنية. سمعت أحدهم على المنبر يقول: المقاومة هي الحياة، فأنت تمارس حقك في الحياة عندما تقاوم ظلما يقع عليك، بدون المقاومة لا يصبح الظلم ظلما بل واقعا تقبله وتعيشه، وفرق كبير بين أن تحيا وبين أن تعيش، أن تقاوم يعني أنك تمارس حقك الطبيعي المكلف به شرعا وقانونا لدفع الظلم. طوفت بعبارته الآفاق، هؤلاء قومي عربا ومسلمين، أترى يعيشون أم يحيون وهم على حواف خطوط الفقر والجهل والمرض، يفجعك الأمر أكثر وأنت ترى نسب هذا الثالوث المدمر متفشية في عالمنا العربي، لا بسبب تقصير الشعوب بل بسبب ظلم وقع عليها إما من مستعمر أو محتل أو مستغل، ترفع بصرك تتحسس أي دفع لهذا الظلم فيرتد إليك البصر حسيرا لتدني نسب المقاومة، ترى هل ارتضينا الظلم فصار واقعا نعيشه ولا نقوى على تغييره وإصلاحه، أم أن ما هو ظلم علي أو عليك عدل بالنسبة لغيرنا؟ رفضت السؤال، فالظلم واحد عند الظالم والمظلوم، َطفت بذاكرتي أقوالا مثل «من يهن يسهل الهوان عليه»، و» من العار أن تموت جبانا» و»لا خير في دفع الردى بمذلة»، وأرداني أخيرا شوقي بقوله «وما نيل المطالب بالتمني»، فانتهيت إلى «ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر». أثناء إحدى الجلسات وكان النقاش حول دور الطائفية في تشتيت جهود المقاومة، مرر لي صديق لبناني رافقني في الملتقى، قصاصة انتزعها من ملف كان يحمله، تحمل خبرا لندوة عن الشرق الأوسط أقيمت في اسطنبول قبل نحو شهرين شارك فيها سياسيون وأكاديميون، تحدث فيها جيمس جيفري القائم بالأعمال الأمريكي السابق في العراق، حوت القصاصة كلمته وقد وضع صديقي دائرة حول عبارتين فيها، الأولى قوله أن إدارة أوباما قررت منح تركيا تفضيلات استثنائية للحصول على طائرات حربية متطورة لم تحصل عليها دول الحلف الأطلسي، كمكافأة لملئها الفراغ الاستراتيجي بعد تغييب دور مصر والدول العربية السنية، العبارة الثانية عن الانتخابات العراقية وتقول أن واشنطن تؤيد نظاماً فدرالياً مثلث الأضلاع في بغداد على غرار ما هو قائم في بيروت. هذا يفسر مسارعة نائب رئيس أمريكا الحضور إلى بغداد بعد تعذر تثبيت قانون بريمر حاكم العراق السابق، هذا يفسر المحاولات الدؤوبة لنشر الطائفية في فلسطين ومصر ولبنان وسوريا والسودان، وغدا في كل أنحاء العالم العربي لإخماد أي ريح للمقاومة، هذا يفسر مرامي إضعاف دور مصر الريادي، بل دور كل الدول السنية ومحاولات فرض الدروشة والطرق الصوفية علي العالم الإسلامي كطريق للخلاص من تعاليم الإسلام الصريحة في مقاومة الظلم. أحرب دينية هي أم سياسة فرق تسد البريطانية وقد تبنتها أمريكا فيما ورثت عن الإمبراطورية السابقة لتشييد إمبراطوريتها الحالية؟ أسئلة عدة تداعت إلى ذهني لم ينقذني منها إلا صوت صديقي ينبهني لانتهاء الجلسة فخرجنا من القاعة. أثناء الاستراحة عرفني بصديق له فرنسي، حدثني بلكنة فرنسية تلوك الكلمات الإنجليزية فتشبعها فتنة، علمت منه أنه مقيم في بيروت منذ مدة، وأنه متفهم للحق العربي المطموس في إعلام الغرب، سألتهما عن سر تواجد وزير الأمن القومي الأمريكي في بيروت هذه الأيام، ضحك اللبناني وقال كي يسجل أسماء من حضر لدعم المقاومة. ثم قال أنه جاء لترتيب الإجراءات الأمنية للمسافرين عبر بيروت إلى أمريكا، وكنا قد قرأنا بالفعل في صحف اليوم اعتراض لبنان على بعض تلك الإجراءات، تدخل الفرنسي وقال، بل حضر لتنظيم عمل الفضائيات العربية المحرضة ضد أمريكا، ابتسمت وذكرته بحملة مشابهة تعرضت لها فرنسا أثناء حرب العراق لدرجة تحويل مسمى «الفرنش فرايز» إلي الفري فرايز، رد الفرنسي قائلا أن الأمريكان في حالة حرب مع الإرهاب تبرر لهم أفعالهم، سألته هل تسمي حرية الرأي تحريضا، فماذا عن ما تنشره الواشنطن تايمز وبقية صحف اليمين الأمريكي عن العرب والمسلمين؟ هذا تكميم للأفواه واستعباد ما بعده استعباد. قال يا صديقي للحروب إجراءاتها، قلت موافقا، معك حق، وقد أدهشني أنهم لم يضعوا العرب والمسلمين من مواطنيهم في معسكرات مغلقة كما فعلوا مع اليابانيين بعد بيرل هاربر، ضحك وقال أفهم ما ترمي إليه ولكنك لو تعلم حجم الفجيعة التي خلفتها أحداث سبتمبر لعذرتهم، أجبته وأنت لو تعلم حجم الفجيعة التي يحدثها جنودهم وأسلحتهم لعذرت من يحرض ضدهم، والمفجع أنهم يفعلون ذلك لأن اقتصادهم لا يمكنه الاستمرار بدون مساعدة الغير، الغير الذي يكرهون ويحاربون للسيطرة على موارده بالإكراه وتحويلها إلى مصالح عليا لهم، ومن يقاومهم يعتبرونه إرهابيا، قال هذه محض إدعاءات تحتاج تثبتا. تدخل صديقي اللبناني وأخرج، كالحاوي، قصاصة أخرى من ملفه، كانت صفحة قديمة من صحيفة الليموند تحوي تقريرا مفصلا عن مدى اعتماد الاقتصاد الأمريكي على اقتصادات الدول «الصديقة»، صمت الفرنسي ثم قال إنها أزمة مؤقتة وستمر، قال له اللبناني، نعم هي أزمة مؤقتة منذ أيام ريجان وحرب النجوم لإسقاط السوفييت، سقط بعدها اقتصاداهما تباعا وصارا يعيشان عالة على حلفائهما السابقين بفضل قوتهم العسكرية، قلت معلقا ليس مهما حجم المديونية الأمريكية فهذا أمر ميسور علاجه بالتعاون، الأهم ما تحاوله أمريكا لإجبار العالم على مساعدتها وتكميم فمه إن هو اشتكى، واتهامه بالإرهاب إن هو قاوم، أليس هذا إقطاعا جديدا؟ .