حدود حرم المدينةالمنورة له أهمية بالغة لدى كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة يخشون الله ورسوله، وقد أدهشني ما كتبه الزميل صاحب الضمائر المتكلمة حول حدود حرم المدينةالمنورة على صاحبها – أفضل الصلاة وأتم السلام - وكيف أن العلماء يهدرون أوقاتهم في البحث في الفروع دون الأصول؟ ثم يتساءل الأخ الكريم عن البحث الذي لا فائدة منه ويقول: ما المحصلة النهائية للبحث الدقيق عن هذه الحدود؟ إذا كان المقصود حمى الصيد فاليوم لا يوجد صيد ولا صياد، وإذا كان الغرض أن لا يحدث أحدهم داخل المدينة حدثا أو يؤوي محدثا فمن يريد فعل ذلك لا فرق عنده بين داخل الحرم وخارجه، ثم لماذا لا تكون الحدود تقريبية وربما هذا ما قصدته السنة؟ ونحن نقول للأخ الكريم: إن المحصلة النهائية للبحث الدقيق لتحديد مواقع هذه الحدود لم يأت اعتباطا من قبل البشر، أو من قبل الأمانات المتعاقبة، أو من قبل الشركات الاستشارية، بل من واضعها هو الشارع العظيم الله عزَ وجلَ، وحددها رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم - وأشار لها – صلى الله عليه وسلم - بمعالم طبيعية لا يخطئها إنسان، وهي قائمة خالدة إلى أن تقوم الساعة، وتعيين حدود الحرم هو امتثال لأمر الله عز وجل، ليمنع أصحاب النفوس الدنيئة، والأهواء الشريرة، والنوايا السيئة، من دخول البقعة الطاهرة، أو تدنيس أرضها المباركة أرض الحرمين الشريفين، وامتثالا لقوله تعالى: « أن المشركين نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا» الآية. أما قولك: فلا يوجد اليوم صيد ولا صياد فهذا رأيك وهو الظاهر لك، ولكن لو أمعنت النظر بشكل أعمق لوجدت أن العلة ليست في الصيد أو الصياد أو القنص أو المقناص ولكن النهي أعم وأشمل، فأرض الحرم لها وضع خاص: فلا يعضد شجرها، ولا ينفّر صيدها، ولا تُنتهك حرماتها، ولا يُؤذى أهلها، بل على الداخل إلى أرضها أن يلتزم الأدب والاحترام التام طاعة لله ورسوله. أما قولك: من يُحدث فيها حدثا أو يؤوى مُحدثا.. ومن يريد ذلك فلا فرق عنده بين داخل الحرم وخارجه» أقول: هنا قد جانبك الصواب، فهذا الحديث الصحيح « من أحدث فيها حدثا أو آوى مُحدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» لو وقفت قليلا عند معنى هذا الحديث ومعنى كلمة حَدثا ومُحدثا أي اقترف كبيرة أو شارك في الذنب بإيواء لمذنب فقد استحق الطرد من رحمة الله والملائكة والناس أجمعين. كما أذكَر أخي الكريم بأن هناك فرقا عظيما بين داخل الحرم وخارجه، فمن ارتكب ذنبا أو أراد أن تشيع الفاحشة أو أن يمارس أي نوع من أنواع الفساد (كسلب الناس حقوقهم، أو التضييق عليهم، أو إيقاع الضرر بهم) داخل حدود الحرم، فسوف يُبشر بالعذاب في الدنيا قبل الآخرة وإذا استمرأ وتطاول فسوف يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، لأن الله سبحانه وتعالى غيور على حدود حرم مدينة نبيه ومصطفاه – صلى الله عليه وسلم - حيث قال في الحديث الصحيح «.. ألا لكل ملك حمى ألا إن حمى الله محارمه» وإن المدينة كلها حرم كما حددها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وإنها تنفي الخبيث كما ينفي الكير خبث الحديد ، وإن من أراد أهلها بسوء أذهبه الله كما يذهب الملح في الماء. وإذا كان اقتراحك أن تكون حدود الحرم تقريبية وليدخلها من شاء ويخرج منها من شاء !!، إذن تصبح المسألة كما يقولون فوضى (سداح مداح) يدخلها المسلم وغير المسلم دون أدنى اهتمام من الغيورين على حرم الله ورسوله. ولذلك وضعت الحدود للاحترام والالتزام بكامل الأدب من قبل الداخل إليها وذلك لقدسية المكان وشرف الموجود فيه – صلى الله عليه وسلم – وليدخلها كل مسلم آمنا مطمئناً ليشرف بالسلام على سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم - ويصلي في مسجده الشريف، ويسلم على صاحبيه، كما كان يفعل – صلى الله عليه وسلم - عندما يعود إلى المدينة قادماً من خارجها فيقبل عليها فرحا مستبشرا ويقول: هذه طابة هذه طابة. أما أن يغرد العلماء خارج السرب ويذهبون للفروع ويتركون الأصول، فأقول: هداك الله وأرشدك إلى الحق، أن هذا الأمر بالنسبة لنا كمسلمين يعتبر من أهم الأصول وليس من الفروع، فلن تترك أرض الحرمين الطاهرة ليعبث العابثون ويدخلها العصاة والمجرمون ويدنسوا أرضها المباركة، وقد يقول: لسان حالك أن البعض فيها يمارسون الفسق والفجور ومخالفة الله ورسوله، وأقول لك: إن ذلك ليس بخافٍ على الله ولكن ألله أكرمهم بحسن الجوار واختارهم لسكنى طيبة الطيبة والله يمهل ولا يهمل، وعسى الله أن يردهم إليه ردا جميلا، وكل عمل ابن آدم مجزىّ به. وكثيرا ما رأينا من العصاة والمجرمين والمتطاولين على الله ورسوله والمجاهرين بالمعاصي في داخل حدود الحرم، وكيف أن الله سبحانه وتعالى نفاهم وأبعدهم وفرقهم في كل حدب وصوب بعيدا عن المدينةالمنورة. وأخيرا فقد آلمني كثيرا تشبيه أخي الفاضل لحدود حرم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بفلم مصري سخيف سمه «عبّود على الحدود»!! فهذه شعائر وليست أفلاماً سينمائية! وقد قدسها الله في كتابه العزيز حيث يقول: «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» وقوله تعالى «إنا كفيناك المستهزئين». فكفانا تهاونا بمشاعرنا المقدسة وبأرض الحرمين الشريفين وبأوامر الله ونواهيه، لأننا لو التزمنا الأدب والعدل والأنصاف داخل حدود الحرم وخارجه وتأدبنا مع الله ورسوله، فسوف تحل كل مشكلاتنا وتنتهي مآسينا التي يعتبرها الأخ الفاضل من الأصول ويعوضنا الله خيرا، ويسدد خطانا في مشاريعنا،ويلهمنا الصواب في معالجة قضايانا المستعصية، وينعم أهل طيبة بالخير الكثير. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.