روى الامام البخاري في صحيحه ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة فقال: (أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم) ثم التفت فقال: (بل أنتم فيه) هذا حديث صحيح من أحاديث كثر تبين بجلاء حرمة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان العناية بحدودها من الدين بمكان، فأنت ترى هذا النبي الكريم الذي هو أكمل الناس خلقا وألطفهم قولا وأصدقهم حديثا يأتي منازل بني حارثة فيقع في خلده أول الأمر ان منازلهم خارج حدود الحرم فلا يتردد ان يخبرهم متسائلا (أراكم قد خرجتم من الحرم) ثم يقف عليه السلام ملتفتا وكأنه تثبت من علامة قريبة ليقول لهم (بل أنتم فيه). لسنا في حديثنا هذا ممن سيتعرض لما يترتب من أحكام فقهية على ما يشمله الحرم، لكن حسبنا ان نقف بعاطفة المسلم المحب لبلد رسول الله عليه الصلاة والسلام فندرك أي معنى عظيم يتضمنه هذا الحديث، وكأنه عليه السلام يقول لبني حارثة لا أحب لكم ان تكونوا خارج حدود الحرم وفي وسعكم ان تكونوا فيه. لقد حرم الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام مكة وحرم الخليل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم المدينة. فأي غرابة بعد ذلك ان يعنى المسلمون بمعرفة حدود حرم المدينةالمنورة؟ نعم! ثمة مسائل هي محل نزاع، هل هناك داع ومسوغ لوضع الأعلام على الحدود؟ كيف نفقه التحديد النبوي للحرم من الأحاديث الواردة في الباب؟ لكن ان يقول قائل إن ذلك لا معنى له ولا طائل من ورائه فهذا قول مردود ورأي باد وفهم سقيم. لقد أدرك ولي الأمر –أعزه الله بطاعته- أهمية الأمر وجليل المقصود فكان التوجيه الكريم لسماحة مفتي المملكة –حفظه الله ووفقه- بالنظر في ما استجد من أبحاث حول الموضوع، فكان ان قدم المدينة ثلة مباركة من هيئة كبار العلماء يتقدمهم معالي الشيخ عبدالله بن سليمان بن منيع يصحبه معالي الشيخ الدكتور عبدالله المطلق ومعالي الشيخ أحمد سير مباركي ومعالي الشيخ محمد بن حسين آل الشيخ والدكتور عبدالوهاب الزيد الباحث في الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء. ولما قد جاء في الصحيح عنه صلوات الله وسلامه عليه قوله (إنما يعرف الفضل لأولي الفضل أولو الفضل). فقد أقام سمو أمير منطقة المدينةالمنورة حفل عشاء لهؤلاء الضيوف الكبار والوفد الكريم، ودخل سموه مجلسه المبارك مصطحبا العلماء بيده فلما توسط صدر المجلس قال بلغة الفضل والعلم والأدب يخاطب الحاضرين (إذا أردتم ان تسلموا على المشايخ، فتفضلوا) هذا والله الفضل والأدب والامارة حقا. وفي اليوم التالي عقد مشايخنا اجتماعات عدة مع بعض الباحثين الذين لهم قدم صدق وقصب سبق في الميدان الشرعي والتاريخي، وهيأت أمانة المدينةالمنورة –مشكورة- حافلة أقلت المشايخ الكبار والباحثين وتم الوقوف على الحدود القائمة وصعود الجبال وتأمل مواقع الأودية والهضاب والتلال وابراء للذمة وأداء للأمانة، وبعد ذلك رأوا ان يجتمع الباحثون في مقر مركز بحوث ودراسات المدينة ويتدارسوا المسألة جيدا ويقدم دراسة وافية وتقريرا مقنعا يرفع بعد ذلك إلى مقام هيئة كبار العلماء وقد كان والحمد لله خلال هذه اللقاءات بدءا من مجلس الأمير حتى ساعة المغادرة نثر هؤلاء المشايخ الكبار أدبهم قبل علمهم وفضلهم قبل توجيهاتهم، ويشهد الله كم استقينا من ذلك وكم نهلنا منه. فتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم ان التشبه بالكرام فلاح إذا لا غرو ان يُشغل علماؤنا بما أهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل فأفصح عنه لبني حارثة. وأظن أن الأخ الكريم (عبدالله الجميلي) حُسِد على ما صدع به يراعه في مسألة جدة ليسقط قلمه لا شخصه في مسألة حدود المدينة والا لا يعقل ان يشبه كاتب في قامة (عبدالله الجميلي) علماء الأمة بأبطال الأفلام ان كان للأفلام أبطال. فيا عبدالله أعرض عن هذا واستغفر لذنبك.