بينالي الأسكندرية استبعد الفنانة الجزائرية زينب لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تصل نتيجة مباراة كرة قدم تؤهل الفائز فيها إلى بطولة دولية إلى ما وصل إليه الحال بين القطرين العربيين مصر والجزائر.. فبعد أن تخطت “الأزمة” محيطها الرياضي داخل الميدان وخارجه، ومرورها على الساحة السياسية الذي بلغ مرحلة “استدعاء السفراء”، وتعريجها على الوسط الفني، وإعلان أكثر من فنان مقاطعته للمشاركة في المهرجانات التي تقام بين البلدين، وإقدام البعض الآخر على “إرجاع” الجوائز التي تحمل اسم هذا البلد أو ذلك.. بعد مرورها بكل هذه “المراحل” المؤسفة جاء الدور على الساحة الثقافية هذه المرة، فقد وصلت الأزمة إلى إفساد العلاقات الثقافية بمنع مشاركة فنانة تشكيلية جزائرية في بينالي الإسكندرية لدول البحر المتوسط واعتذار الجزائر عن المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي انطلقت دورته الثانية والأربعين في شهر يناير الجاري. غياب الجزائر على أن هذا المشهد “المأساوي” لم يمنع بعض الأصوات العاقلة بين الطرفين والتي طالبت بضرورة بإبعاد العلاقات الثقافية عن مهاترات الرياضة، والمضي في التعامل الثقافي بين الأدباء الذين يحكّمون صوت العقل. ولكن أتت رياح تعصب الرياضة بما لا تشتهى سفن محملة بإبداع واسيني الأعرج والطاهر وطار وأحلام مستغانمي، حيث أعلنت وزارة الثقافة الجزائرية، مقاطعتها لمعرض القاهرة الدولى للكتاب وأمرت الناشرين الجزائريين بالغياب، ولتكون المرة الأولى التى ستغيب فيها الجزائر عن الحدث الثقافى الأبرز في المنطقة العربية. وجاء قرار الوزارة ليصطدم برغبة حوالى 20 ناشرًا جزائريًّا كانوا يأملون فى المشاركة بمعرض القاهرة، خاصة أنهم تلقوا دعوة رسمية من وزارة الثقافة المصرية، وشرعوا منذ مدة فى تحضير أنفسهم للسفر إلى مصر، ليفاجأوا فى نهاية الأمر بقرار المقاطعة. وحاولت الهيئة المصرية للكتاب الحفاظ علي الوجود الجزائري في المعرض ووجهت دعوة رسمية للمشاركة إلاّ أنها تلقت ردًّا سلبيًّا. دعوة مصرية وخوف جزائري وقال حلمي النمنم نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب: خاطبت المسؤولين في وزارة الثقافة الجزائرية بنفسي لدعوتهم للمشاركة في فعاليات المعرض إلا أنهم أكدوا تخوفهم من أن يكونوا غير آمنين في حال مشاركتهم في المعرض وحضورهم للقاهرة، في إشارة إلى احتمال وجود رد فعل غاضب من جماهير المعرض الذي يصل عدد رواده إلى مليون ونصف زائر حسب إحصايات الدورة الماضية للمعرض. وأضاف النمنم: على الرغم من تعهدى الشخصي لهم بتأمين حياتهم وحمايتهم طوال فترة إقامتهم بالقاهرة، إلاّ أنهم نقلوا إلىه تأكيدات لهم من جهات جزائرية عليا بأن حياتهم لن تكون بمنأى عن الخطر في حال وجودهم بالمعرض. وأوضح أن المبررات نفسها تلقاها من ناشرين بالقطاع الخاص لكن عاد وأكد أنه “على الرغم من ذلك فإن الدعوة المصرية لا تزال قائمة للجزائر للمشاركة في المعرض، حتى آخر موعد لتأكيد الحضور” . وأشار النمنم إلى عزم الهيئة على تخصيص جناح خاص عن الكتاب الجزائري، يعرض فيه كل ما كتب عن الجزائر، وذلك في حال عدم مشاركة الجزائر، بحيث يكون الجناح عوضًا عن عدم مشاركة الجزائر بشكل رسمي ومباشر، تقديرًا للثقافة الجزائرية، والحرص على وجودها وعدم تغييبها. قرار سيادي وأوضح أحمد صلاح زكي وكيل وزارة الثقافة والمسؤول عن المعارض بالهيئة العامة للكتاب، إن قرار الجزائر بالمقاطعة قرار سيادي وسياسي لا يمكن التعليق عليه من قبل مصر، وليس له أي علاقة برسالة الثقافة التنويرية. مضيفًا بقوله: مصر وجهت دعوة للعديد من الناشرين الجزائرين لتؤكد أن الثقافة بعيدة تمامًا عن الخلافات السياسية بين الشعوب، بل هى التى تخفف من احتقانها، إن معرض الكتاب حدث دولي لا يمكن أن تمنع مصر دولة من المشاركة فيه، لكن فى حالة رفض دولة بعينها المشاركة فهذا شأنها ولن ينقص من المعرض في شيء. تلطيف الأجواء وحاول الناشر الجزائري حسان بن نعمان مدير دار الأمة للنشر تلطيف الأجواء وأعلن مشاركته في المعرض بصفة شرفية من خلال حضوره لاجتماع الناشرين العرب باسم الجزائر وإن كان لن يشارك بإصدرات الدار في المعرض. وأشار البيان الختامى لمؤتمر أدباء مصر إلى عمق وأهمية العلاقات التاريخية بين مصر والجزائر، وأنها تسمو فوق أي أحداث وتصرفات غير مسؤولة، وأدان الأدباء المشاركون في المؤتمر ما بدر بسبب مباراة كرة قدم، وأكدوا أن ما خلفته تلك المباراة من جرح تتجاوزه متانة العلاقات بين البلدين الشقيقين. كل الحقول ملغّمة كذلك ألقت الأزمة السياسية للمبارة بظلالها على مشاركة فنانين تشكيليين جزائريين في بينالي الأسكندرية لدول حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث أحتج عدد من التشكيليين المصريين على استبعاد الفنانة الجزائرية زينب سديرة من المشاركة خاصة، وأنها قدمت أعمالها قبل مدة طويلة؛ ولكن أودى قرار أصدره محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصرية بإلغاء مشاركة الجزائر إلى استبعاد أعمال سديرة وغضب فنانين مصريين منادين بضرورة النأى بالفن والأدب عن مظاهر التعصب الكروي.. إن المشهد برغم “سكونه الظاهري” بعد توقّف الحملات التي تمظهرت في “هوجة” البيانات الصادرت من الطرفين؛ إلا أنه يستبطن في داخله “رواسب” تطل برأسها مع كل حدث ثقافي أو فني أو أدبي أو ربما كروي يجمع بين الطرفين على المدى القريب أو البعيد؛ بما يجمع من أمر “المواجهة” بينهما محتمل بصورة كبيرة؛ ما لم تكن هناك “تحركات” حقيقية وعلى مستوى عالٍ يقدّر العلاقة التي تربط بين الشعبين، لإزالة الألغام عن كافة الحقول، وحتى تنساب الحياة بين البلدين في مشاهدها المختلفة على الوجه الذي ينبغي أن تكون عليه من الاحترام المتبادل، الوشائج التي تربط بينهما، والمشتركات التي تقرّب بينهما.