يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون على موعد مع تحولات كبيرة على الصعيد الديموغرافي خلال عقد من الآن، أي في عام 2020م كما أفاد بذلك تقرير صدر في وقت غير بعيد وحمل عنوان (مجلس التعاون الخليجي عام 2020م، منطقة الخليج وشعبها) والذي صدر برعاية مركز قطر للمال. ولعل أبرز ما في هذا التقرير، تلك المؤشرات التي تفيد بأن عدد سكان هذه المنطقة سوف يتزايد بما يعادل ثلثهم الآن تقريبا، بحيث يكون عددهم إجمالاً في دول الخليج الست، 53 مليون نسمة وأن 24% من هذا العدد سيكونون تحت سن ال 15 سنة، وهي أعلى نسبة من أي مكان آخر في العالم، باستثناء أفريقيا على حد زعم وجزم التقرير، مع تفوق واضح لعدد النساء قياساً بالرجال في الجامعات، وذلك بسبب التوسع الكبير في تعليم المرأة والتغير المطرد للمجتمع في تلك الدول ونظرته لها. كل ذلك سوف يحدث بهدوءٍ تام دفعة واحدة في هذه المنطقة من العالم في وقت تصاب أجزاء أخرى في هذا الكوكب بالعجز والشيخوخة، خاصة الدول صاحبة النفوذ ومالكة التقنية والقرار العالمي في كل من أوروبا وأمريكا. إذن نحن نشب بينما تشيخ الدول من حولنا، وتلك مسألة لابد من التحسُّب لها من الآن، خاصة وأنه لم يعد هناك الكثير من الوقت، فعقد من الزمان لا يكفي لإحداث تحول كبير، وهذا لا يدعو ولا يوجب قلقا كبيرا في ظل وجود خطط تنموية طموحة وإستراتيجية بدأناها منذ سنوات غير قليلة، حققنا عبرها نجاحات لا يستهان بها، فنحن نستطيع تعديل بعضها وتسريع خطوات أخرى منها، وإضافة ما يمكن من خطط تحقق لنا الاستقلالية وتمكننا من الوقوف دون الاتكاء على الآخر في جميع المجالات قبل فوات الأوان، ولقد أصبح هذا الأمر من الضرورة والأهمية بمكان، حيث لا نزال عالة على الدول الغربية تقنياً على أقل تقدير، هذا إذا تواضعنا في توصيف الحالة، كما وأننا لا نزل نعاني من بيروقراطية كبلتنا طويلاً، وأعاقت تحركنا للأمام بشكل كبير جداً، فضلاً عن غياب الشفافية وخنق المبادرات على قلتها أو قتلها إن صدرت من غيرنا أو انطلقت على غير هوانا، نحن المتنفذون الممسكون بتلابيب القرار في دوائرنا المختلفة. نعم إن ما جاء به التقرير مفزع بقدر ما يحمل في مضامينه من بشرى، فالفزع والبشارة تكمنان في الطفولة التي ستكون عليها دولنا في عام 2020م، طفولة تجعلنا في دائرة العجز والحاجة إلى الرعاية، إن لم نتحرك بشكل مدروس في حال غياب الأبوة الغربية التي سوف تهرم وربما تموت فنصاب باليتم التقني مبكراً، وقد تتكفل بنا يومئذٍ دوائر تقنية صاعدة كالهند والصين، فيكون حالنا وقتئذ، حال القطة التي تتنقل بأبنائها من مكان لآخر لخوفها وعدم قدرتها لتوفير عرين أو جحر خاص بها لمواجهة الظروف، وعذراً لهذا التشبيه الموغل في القساوة، ولكن، وبكل المصداقية هذا هو المصير الذي سنؤول إليه إن لم نأخذ الأمر بالجدية اللازمة ونمضي في بناء السفينة بهمة ووعي قبل حلول الطوفان. نافذة : فإن أنت لم تزرع وشاهدت حاصدا ، ندمت على التفريط في زمن البذر.