الدعوة إلى الله تحتاج إلى حكمة وبصيرة بأحوال الناس ، ومقاصد الشريعة من جلب للمصالح ودرء للمفاسد . ولكن بعض الدعاة تحت سطوة الأتباع ينسى نفسه ، ويتناسى أبعاد كلماته . إننا مؤمنون بنقاء سرائرهم ، وحرصهم على دينهم ، ومصلحة بلادهم ، ولكن جل من لا يخطئ ، فكل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون . في هذه الأيام كثرت الاجتهادات الفردية التي خانها التوفيق ، وسلطت علينا أنظار الناس ، وكلما حاولنا امتصاص الصدمة بأقل الخسائر أبى بعض الدعاة إلا أن يعيدنا إلى المربع الأول . قديما كان الداعية يدعو في مسجده ، فربما لا تبلغ فكرته الحي المجاور لمسجده ، واليوم هناك قنوات فضائية تتسابق على البث ، والتحليل ، وإثارة الفزع من أمة خطابها بحسب كثير من تلك الفضائيات قائم على الكراهية والإقصاء والعنصرية . يبدأ هذا الداعية في تشكيل صورة نمطية لوطن بأكمله ، لا تمثل الحقيقة ، ويبدأ العالم يتعامل معنا على أساسها ، ويقوم بالتصنيف ، وبناء المواقف ورسم الإستراتيجيات ، وها نحن اليوم نجني ثمار العليّق من خلال ممارسات طائشة قام بها بعض الأغرار أسقطوا فيها برجين تجاريين ، فأسقطت أمريكا العالم فوق رؤوسنا ، ولم تزل المصائب تتساقط على رؤوسنا صباح مساء كما تتساقط الحصى على رؤوس الأيتام ، والحبل على الجرار . وصدق الذي لا ينطق عن الهوى حين قال : إنكم في زمان علماؤه كثير، خطباؤه قليل من ترك فيه عُشير ما يعلم هوى -أو قال: -هلك، وسيأتي على الناس زمان يقل علماؤه ويكثر خطباؤه، من تمسك فيه بعشر ما يعلم نجا . لدينا غرائب وطرائف اليوم لبعض الدعاة تثير الدهشة أحيانا والشفقة أحيانا أخرى . وبعضهم أصبح مثل خذروف الوليد لا وجود له إلا مع الحركة يفطر مع علي ويتعشى مع معاوية ، أعشى عينيه بريق القنوات ، و أفسد عليه حكمته سحر الكلمات ، وصدق القائل : حب الظهور يقصم الظهور . لقد تعبنا من الفتاوى المجانية التي دفعت بشبابنا إلى المحرقة ، ونهبتهم من أحضان أمهاتهم ، وقذفت بهم إلى جبال تورا بورا ، والبندكوش ، و مأرب ، ليتحولوا إلى لعبة في يدي المنظرين ، وتجار السلاح ، وصناع الأزمات . إن الدعوة حكمة ، وصبر ، وتقدير لعواقب الأمور ، وليس منابر ، ومجالس سمر ، يتحول فيها بعض أنصاف المتعلمين إلى منظرين ، وفلاسفة ، على إيقاعات البخور والمفطحات . أيها الدعاة الماهرون في صناعة الأزمات ارحموا بلادكم ، وارحموا شبابا تعلقوا بكلماتكم ، فآمنوا أنها الحق الذي يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كفانا صخبا وضجيجا ، وكفانا ما قدمنا من قرابين . إن هذه العنتريات وبال علينا وعلى بلادنا ، وليس من مصلحتنا أن نكون ماهرين في صناعة الأعداء والخصوم في كل مكان. لن ينفعنا أن تأتوا بعد خراب مالطة لتقولوا لنا : أخطأنا ، فأخطاؤكم ليست عليكم وحدكم ، إنها على جيل بأكمله . ادعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتعلموا أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . [email protected]