اتّسم لقاء أركان ومرتادي الاثنينية بصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز في أمسية تكريمه بكثير من الجوانب الإيجابية. فلقد تحلّى سموه بالشفافية والوضوح، والشجاعة في حفز الجمهور على طرح أي سؤال يعتمل في نفوسهم، وتعهّد بالإجابة عن كل سؤال يملك الإجابة عليه، خاصة وأن اللقاء دار حول محور الجنادرية “المهرجان السنوي للتراث والثقافة” الذي تقيمه المملكة. وأضفت شخصية سموه على اللقاء لمسات إنسانية جعلت انطباع الجمهور الذي لمسته في أقوالهم عن شخصية سموه أنها أضحت أكثر قربًا للناس، ولامست مشاعرهم الإيجابية بالحب والاحترام. وسرّني أن يجيب سموه عن الأسئلة بشجاعة مَن يبحث عن التطوير والارتقاء بكل ما يُناط بسموه من مسؤوليات، وسرّتني بشكل خاص إجابة سموه على مداخلتي حول الجنادرية، وإعادة تدوين النقطتين اللتين طرحتهما في اللقاء تستهدف التذكير وبسطها للتداول والمناقشة. 1- الدعوة إلى حضور الجنادرية: لاحظت -كما ذكرت لسموه- تكرار أسماء الشخصيات التي تُدعى إلى الجنادرية، ولست مغاليًا إذا ذكرت بأن بعض مَن يذهب إلى الجنادرية -وربما مَن زعم بأنه دُعي إلى الجنادرية- إنما يضع نصب عينيه تطويق ذاته بهالة التقدير والقيمة الاجتماعية، دون الحرص على المشاركة والإسهام. إن تنويع الشخصيات التي تُدعى إلى الجنادرية من داخل المملكة وخارجها ينطوي على قدر كبير من الأهمية في توسيع قاعدة العلم بالمنجز الحضاري الذي خطت فيه المملكة خطوات منذ تأسيسها إلى الزمن الحاضر، وتأكيد مبدأ التمسّك بالثوابت، والاهتمام بالتراث، مع الانطلاق في آفاق العلم والتطوير. كما أنه -وبشجاعة المواطن الذي يبحث عن مصلحة وطنه- يتعيّن علينا في إطار الصراعات الدولية القائمة البحث عن أصوات مؤازرة من خلال دعوة شخصيات لها وزنها وقيمتها التأثيرية للاطّلاع على المنجز الحضاري الذي بلغته المملكة، والوقوف على الصورة الحقيقية لسياسة المملكة في الانطلاق من الماضي بقيمه والاتجاه بثبات وقوة نحو المستقبل بتطوّره وايجابياته، وليست المسألة تناظر ما يسعى إليه أو سعى إليه بعض الزعماء في الماضي من شراء الذمم والأصوات لتمرير مشاريعهم السياسية، وإنما نقدم للجميع منجزًا حضاريًّا قائمًَا على أسس وثوابت بوضوح وشفافية تدفع مَن يطّلع على مشروعنا الثقافي والحضاري إلى التسليم بنُبل مقاصدنا، وسمو أهدافنا. ولذلك فإن تكرار الدعوات والزيارات لشخصيات بعينها يقوّض من أهداف المشروع الوطني الذي نتوق جميعًا إلى نجاحه وتطوّره في طريق التفوّق الحضاري. 2- الوجه الحضاري والعلمي للجنادرية: الاقتراح الآخر الذي طرحته بين يدي سمو الأمير متعب يتعلّق بوجه حضاري وعلمي بلغته المملكة، فلا نود للجنادرية أن تكون تعبيرًا عن الماضي فحسب، مع اعتزازنا وفخرنا به كموروث ثقافي واجتماعي، وإنما نسعى إلى ترسيخ قناعات بأن المملكة ماضية بقوة وعزيمة في مسارات التحديث والتطوير لكينونتها العلمية والحضارية، لقد شاهدنا في السنوات الأخيرة، ومنذ أن قدح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله زناد الإبداع، وإفساح المجال للموهبة للاختراع والابتكار، شاهدنا صدى اهتمام خادم الحرمين فيما تحقق من مخترعات، وما توصل إليه العلماء على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم، ومن الجنسين، وما يمكن أن يُدرج في بند المنجز العلمي مناط الفخر والاعتزاز، ومعرض جنيف السنوي إضافة إلى مشروع (موهبة) وتنامي عدد براءات الاختراع، وأبحاث الجامعات ومراكز البحث العلمي كمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وجامعة الملك عبدالله كلها شواهد وحقول مخضلة تبعث على الطمأنينة والثقة في خطواتنا الإيجابية نحو المستقبل. لذلك تلخّص اقتراحي في أن يتضمن مهرجان الجنادرية جناحًا لنماذج من الاختراعات، والابتكارات، ولوحات تتضمن براءات هذه الاختراعات؛ لكي نؤكد فلسفتنا والرؤية التي تنطوي عليها التوجّهات السياسية في المملكة، والتي تتلخص في الاعتزاز بالماضي، والانطلاق بالتحديث والتطوير نحو المستقبل. بقي أن التمس من إخواني وأخواتي المعنيين بهذا الجانب العلمي التحرّك لتحقيق هذه الرؤية، والسعي نحو تشييد هذا الجناح، فسمو الأمير متعب أبدى استحسانه للفكرة، وأوعز لشخصي البسيط التصدّي لها، وأنا أنقلها بدوري إلى كل الأصدقاء والزملاء والزميلات في ميدان العلم.. فالمملكة إطار يشبه القلب يجمعنا على الحب، ويحفزنا للعمل لمصلحة ذاتنا وأبنائنا وأحفادنا.