الهدف.. والوسيلة في ظل المتغيرات العالمية والمحلية، وفي ظل المستجدات التربوية المعاصرة، والحراك الوزاري في وزارة التربية والتعليم.. وفي ظل المؤشرات والرغبات في تطوير الأجهزة التربوية، وتحسين أداء العاملين في الميدان.. تُرى هل آن الأوان أن نعمل بالأهداف، ونضع لأنفسنا هدفاً لنبلغه في مسيرتنا التربوية والتعليمية خلال فترة زمنية محددة ؟! سؤال يطرحه البروفسور د. زهير السباعي في التمهيد لكتابه (تعليمنا إلى أين ؟) في مؤخرة بعض الأمثلة التي طرحها لتجسيد أهمية وضع الأهداف والسعي لتحقيقها من خلال الوسائل المتاحة.. يقول د. زهير: - عندما هُزمت اليابان وألمانيا في الحرب العالمية الثانية وضعتا لنفسيهما (هدفاً) هو أن تصبحا [قوة اقتصادية ضاربة]، وسعتا إلى الهدف، وبلغتاه في أقل من نصف قرن. - أيرلندا: كانت أفقر دولة أوروبية , وضعت نصب أعينها (هدفاً) هو أن تصبح من أغنى دول أوروبا؛ سخرت طاقاتها لبلوغ هذا الهدف، وحققته خلال ثلاثة عقود. - ماليزيا: عاشت زمناً على صادرات المطاط، وضعت لنفسها (هدفاً) هو أن تتحول من اقتصاد المطاط إلى اقتصاد التقنية، وبلغته خلال عقود قليلة. ويختتم د. زهير تمهيده للكتاب بتساؤل آخر هو: ما هو الهدف؟ وما هي الوسيلة؟ إن الهدف كما يُعرِّفه الأستاذ الدكتور مدني علاقي في كتابه (الإدارة) هو: [رد فعل محدد لعمل يمارسه المدير والمرؤوسون بصورة محددة ]، بمعنىً آخر فهو (رغبة ٌ تُحدِّدْ حاضراً.. يؤمل في تحقيقها مستقبلاً، من خلال أداء عمل أو ممارسة نشاط معين)، ولعل الدكتور علاقي يقصد بممارسة نشاط معين.. الآلية التي تُستخدم في تحقيق الهدف، فلكل هدف آلية خاصة تسعى إلى تحقيقه، وهي الوسيلة التي يقصدها ويتوخاها د. زهير السباعي في سؤاله: ما الهدف؟ وما الوسيلة؟ وتأتي.. في رأيي المتواضع أهمية تحديد الأهداف لدى الأجهزة والمؤسسات التربوية على مختلف مستوياتها ورسالاتها ابتداءً من وزارة التربية والتعليم مروراً بالإدارات التربوية الإقليمية (المناطق والمحافظات) وانتهاءً بالمدارس والمعاهد فمراكز التدريب. تأتي هذه الأهمية من الرغبة الحقيقية الصادقة والإصرار المؤكد لتطوير الواقع التربوي ونقله إلى مستويات العالم الأول ومصاف الدول المتقدمة تربوياً، واقتصادياً، وصناعياً، وزراعياً.. إلخ. أما الوسيلة: فهي تكمن في التخطيط الاستراتيجي الواعي المعتمِد أولاً وأخيراً على تحسين الأداء من خلال إعداد القائمين على التربية ابتداءً من المواقع القيادية إلى أصغر المواقع التنفيذية من مديرين ومشرفين ومعلمين، ومن في مستوياتهم في المواقع الأخرى.. إعداداً تربوياً وتعليمياً عالياً يتناسب وينسجم مع الخطة الاستراتيجية الواعية الموضوعة لهذا الغرض. التلقين.. والاستظهار .. !! ذات يوم وجدتُ زوجتي تُراجع لابنتنا ما استظهرته من كتاب العلوم. حاولتُ أن أتدخل للتذكير بأن المهم هو الفهم والتأمل والتساؤل والحوار، وليس الاستظهار . رُدِدْتُ على أعقابي “دع البنت تنجح أولاً.. ثم بعد ذلك تفكر !!”؛ هذا مقطع من حديث للأستاذ الكبير والبروفسير القدير الدكتور زهير السباعي في كتابه “تعليمنا إلى أين ؟!” ؛ في إشارة له إلى أن أسلوب التعليم في مدارسنا مازال حتى وقتنا الحاضر يُمَارَس بطريقة الإلقاء والتلقين، فهو إلقاءٌ وتلقينٌ من المعلم للطلاب، وحفظٌ واستظهار للمعلومات الموجودة في الكتاب، وأخيراً استرجاع وقيء في ورقة الامتحان دون فهم أو استيعاب من قبل الطلاب؛ بعيدٌ عن المناقشة والحوار المفترض أن يكون بين الطلاب ومعلميهم، لأن في أغلب الأحوال يكون المعلم نفسه غير قادر على شرح المعلومة، ولا ملمٌ بمعنى المعلومات الموجودة في الكتاب، فيعمد إلى إلقائها وتلقينها للطلاب كما هي مكتوبة في الكتاب المدرسي، ولعل سبب ذلك يكمن في عمق اللغة المكتوبة بها المعرفة أو صعوبة المصطلحات الواردة فيها... وغير ذلك مما يعرفه المعلمون. يدلّل على ذلك ما أشار به د. زهير في مقطع آخر من الكتاب فيقول : “جاءتني زوجتي ليلة امتحان مادة الفقه في امتحان الثانوية العامة مضطربة، تريدني أن أشرح لها بعض ما غمض عليها، حاولتُ وعجزتْ.. اتصلتُ بصديق لي من المشايخ الذين لهم باع في الدعوة ؛ دعاني إلى بيته. أخذ يطالع كتاب الفقه ويقوم من مجلسنا بين الفينة والأخرى ليتصل بأحد مشايخه يستوضحه ما غمض عليه !!”. هذا هو واقع التعليم في مدارسنا، وهذه هي مستويات بعض المعلمين الذين يقومون بتعليم أبنائنا في المدارس ما عكس آثاراً سلبية لدى الأبناء وجعلهم يساقون إلى الحفظ والاستظهار، ومن ثم الاسترجاع والتقيؤ وقت الامتحان وأخيراً «النسيان». وما يدعو للتعجب والاستغراب أن الطلاب المتفوقون دراسياً الذين يحصدون الدرجات التي تصل إلى 100 %، هم الذين تكون إجاباتهم مستنسخة من الكتاب مع مراعاة كتابة “الشَوْ لَة، والفاصلة والتنقيط... إلخ كما هي منسوخة في الكتاب المدرسي، أما من يجتهد من الطلاب ويحاول الكتابة بأسلوبه ليُدلِّل على أنه فاهمٌ للمعلومات وليس حافظاً لها يكون حظه الأقل في الدرجات. يتساوى في ذلك التعليم في المدارس الحكومية والمدارس الأهلية “الخاصة”؛ فالتعليم في المدارس الأهلية لا يختلف كثيراً، ولا يبتعد عن التعليم في المدارس الحكومية إلا في بعض المستحدثات والاكسسورات مثل إدخال اللغة الانجليزية في المرحلة الابتدائية، والحاسب الآلي والسباحة وغيرها من البرامج الرياضية؛ أما المناهج فهي نفس المناهج وأسلوب التعليم هو التلقين التقليدي الذي تحدثنا عنه آنفاً. بعض المدارس الأهلية تفوقت في مبانيها، ونظام «النجوم الخمس» في مرافقها ووسائلها التعليمية، ولكن يظل الفكر هو الفكر والأسلوب هو الأسلوب. ولم يكن التعليم الجامعي بأحسن حظاً في أسلوبه من التعليم العام، ذلك ما يؤكده أيضاً د. زهير السباعي في مقطع ثالث فيقول : «إن التعليم في جامعاتنا العربية أكثره تلقيني، تنتقل فيه المعرفة من الأستاذ إلى الطالب في اتجاه واحد، وحظ النقاش والحوار فيه ضئيل..!!”. وينتقد الدكتور زهير السباعي في مقطع أخر وضع المناهج، وواقع الإدارة في الجامعات وهو -في رأينا- ما ينسحب أيضاً إلى المدارس في التعليم العام فيقول: “المناهج غير متصلة بقدر كافٍ بحاجة المجتمع الآنية أو المستقبلية، ومركزية الإدارة تعوق أي تقدم حقيقي للمشروعات. فكثير من القرارات التي يمكن لرئيس القسم أن يتخذها، لا يبِتُ فيها إلا العميد أو مدير الجامعة وبعضها لا يجد حل إلا من قبل الوزارة !!” ولعله يقصد بذلك وزارة التعليم العالي” وهو كذلك بالنسبة للتعليم العام. ويظل السؤال قائماً.. تعليمنا إلى أين ؟!.