أعجبتني تلك القصة الشهيرة لذلك الجاهلي الأصيل، الرجل الذي اقترن اسمه مع كلمة الكرم، فلا سبيل للشك بأن حاتم الطائي علامة للكرم والسخاء. وهذه القصة هي من مجموعة قصص كثيرة لهذا السخي، وهي أنه عندما وصل خبر كرم حاتم الطائي إلى أحد قياصر الروم، فأراد أن يختبر حاتمًا في كرمه، وبدأ يبحث ويتقصّى، فجاءه الخبر أنها فرس أصيلة يحبها حاتم، وفيما يبدو أنها تحبه فهو حاتم وهي الفرس. فأرسل ذلك القيصر رسوله إلى حاتم الطائي لكي يطلبه الفرس، وعندها يختبر كرمه وشهامته، فوصل المرسول إلى دار الكرم دار حاتم، وعندما دخل لم يدع له فرصة أن يطلب سبب مجيئه، وذهب إلى المرعى فلم يجد الماشية، فقد ابتعدت مع الراعي. فماذا يفعل؟ هل يطلب له (ديليفاري) لم يكن موجودًا في ذلك الوقت! فأخذ فرسه العزيزة، يا لها من شهامة للشجعان، ونحرها لضيفه، وعاد إليه فأخبره بأنه أتاه ليطلبه الفرس، وأنه رسول القيصر، فأصابه الحزن، وأخبره بأنه قد نحرها لضيافته، فتعجّب المرسول وقال: لقد رأيت أكثر ممّا سمعت، فأين أنت يا حاتم من جبل الباي (القطة)؟ وأنا لست ضدها ولا معها، فقد يكون فيها مبدأ التعاون، ولكن هل كان حاتم الطائي أو عرضه عليه عشاء بالباي (القطة) سيقبل، ربما يقبل! ولكن سيدفع عن الجميع. وهنا يحضرني موقف قد تعرّضت له مع أحد أساتذة القطة، فقد دعاني إلى العشاء ذات يوم، وبعد أن تناولنا الطعام بدأ يلمّح لي بقوله: الدفع نظام أمريكي، ولم أفهم المقصود. فقال الدفع نظام أمريكي! فقلت له: لا أحب الخوض في أمور السياسة، فهي مخيفة، وحساسة؛ فوجد حيلة جديدة، وقال: أعتذر منك، لقد نسيت المال في السيارة، فهل تدفع عني إلى أن نعود إليها؟ فقلت: نعم. ودفعت عنه (الحق يا حاتم هذا، وأنا الضيف) أدفع عنه بدلاً من أن يذبح لي فرسًا. دفعت عنه بدون أي فرس، ولو كان لدى صديقي هذا فرس لماتت من الجوع والعطش، وإن لم تمت فسيؤجرها على شاطئ البحر، وإن كبرت ولم تعد تنفعه أظنه سيحلبها ويشرب من حليبها، وإذا ماتت سيحنطها ويبيعها، ربما أكون مبالغًا في الوصف، ولكني شعرت بالأسى من الفرق الكبير بين حاتم وصديقي. إذًا فلنعد إلى الأصالة الإسلامية العربية التي تحث على البذل والعطاء، ليس بالمال فقط، بل في كل أمور الحياة.