تراها في نظراتهم، وتكاد تلمسها في لمحات وجوههم وحركات وتعبيرات أيديهم، بل في صريح عباراتهم أحيانا عندما «يطجها» بعضهم في وجوه الجميع ويعلنها صراحة وقد سئم اللف والدوران، إنها المعاناة الصامتة التي يكتوي بها كثير.. كثير من الرجال ومعظمهم بلغ نصف قرن من السن أو يكاد وقد يتجاوزه بعضهم ، وبطبيعة الحال فإن زوجاتهم وصل معظمهن حمى تلك المرحلة إن لم يكن قد بلغن سن اليأس، إنها معاناة أكاد ألمس كل تفاصيلها في كل يوم ومع معظم الناس، وهم بذلك يحاولون غض الطرف عنها وعما تكتوي بها أضلعهم من نيران اللوعة تعبر بها تنهداتهم أو كلماتهم الخجول. وفي الوقت نفسه قد يكون على الطرف الآخر من تكابد آلامها داخل أعماقها، ولا تريد الكشف عنها، فكما أن الزوج يشكو من قلة اهتمام زوجته «الوحيدة» به، وبما يريد منها وما يحتاج إليه من وابل العطف والحنان، فإن المتوقع أن يكون حال كثير من الزوجات يماثل أو ربما يضاهي ما يجد الرجال، فالمرأة كلما ابتعدت عن سن الشباب وغاصت أقدامها في الشيخوخة أصبحت أكثر حاجة إلى لمسة الزوج الحانية ونظرته العطوف، وهي تريد منه مساحة أكبر من الاهتمام والتفكير والرعاية، وربما تكون هي أحوج إليه منه إليها، وهي تلوذ بالصمت وقد تحاول إشغال نفسها بأي شيء ينسيها ما تكابده من آلام..! معظم الأزواج يعاني، وكلا الطرفين لا يستطيع البوح بما يكتنفه من جروح، وكلاهما يحكمه الحرج الشديد في التصريح لأي أحد ولو كان طبيبا متخصصا، وهذه هي المصيبة ، فعامل الخجل يسيطر حتى على هذه الأسطر التي بين أيديكم، وهو خجل لا أظنه في محله ولا يناسب خطورة الحال التي تعاني منها كثير من البيوت، لأن النتيجة المتوقعة لهذه الحال دخان أسود يتبعه لهب ونار تتأجج، وقد تنتهي القضية بالفراق الأبدي وانهيار أسر كانت تعيش في «تبات ونبات» وقد خلفوا بالفعل «صبيان وبنات». [email protected]