لم تكن أرامكو في يوم من الأيام شركة نفطية صرفة، بل كانت في حقيقتها حلمًا سعوديًّا تمثل في ذلك النظام الثقافي والتعليمي المتوازن، الذي مزج بين العلم والأدب والأخلاق والعمل والفرد والمجتمع، ولقد أثر ذلك النظام في كل المنتمين للشركة، وتجاوزهم للمناطق المحيطة بها في الشرقية والخليج العربي. فأرامكو التي قدمت منذ ما يقارب الستين عامًا إحدى أقدم المجلات الثقافية في الوطن مجلة (القافلة)، وأطلقت أول بث تلفزيوني في منطقة الخليج العربي عام 1957م، وهو الثاني في الشرق الأوسط بعد تلفزيون بغداد، وبفرق أشهر قليلة، وأسست مراكز علمية وثقافية راسخة على رأسها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومركز الملك عبدالعزيز للإثراء المعرفي (قيد الإنشاء) والذي يعد منارة فكرية شامخة، وهدية أرامكو للشعب السعودي، ويضم مكتبة رقمية ضخمة تضم قسمًا للمخطوطات العربية والعالمية، وقسمًا للعائلة والأطفال، وقسمًا للشعر العربي، والخطابة، والرسم، ومختبرًا للتعليم، إضافة لمبادرتها الرائعة في تشجيع القراءة بتأسيس مكتبة متنقلة من (12) عربة تجوب المدارس منذ 1982م استفاد منها ما يقارب النصف مليون طالب، وأعارت مليونًا ونصف مليون كتاب. هذه الشركة العريقة والمفخرة نظلمها عندما نقول إنها مجرد شركة نفطية فقط، بل هي هبة الله عزوجل لهذا الوطن الكبير، وهي لا تحتاج منا أن نشكرها، أو نثني عليها، وإنما هي في أمسّ الحاجة إلى أن نفسح لها المجال للعمل، ولإدارة الثقافة في بلادنا، وأن يرفع المثقفون من سقف مطالبهم لهذه الشركة بدعم كل ما يمت للثقافة والأدب، فقد شكلت أرامكو -عند المنتمين إليها ومنذ البدايات- انقلابًا ثقافيًّا في حياة أبناء الجزيرة العربية، وطريقة معيشتهم، وأسلوب حياتهم. حاول الكثير إيقاف انطلاقتها، وتحجيم تجربتها في بقعة زيت و(كمب) عمال!! ولكنها انطلقت بحسها الوطني نحو آفاق عجزت عنها الوزارات المعنية، والمؤسسات التعليمية في إدراك ما يزيل الخجل ويرفع العتب. وأرامكو مدعوة الآن وبشكل مُلحٍّ أن تستثمر المناخ الثقافي في المملكة، وأن تشارك في المشهد الثقافي والأدبي المحلي بمبادرات تليق بها، وبدورها الريادي، وبالقيمة العاشرة التي أعلنت عنها ضمن قيمها الكبرى، وهي «التواصل مع المجتمع».. فكثير من الباحثين والمبدعين السعوديين ينتظرون لفتة أرامكو نحوهم تشجيعًا ودعمًا وطرحًا للمشاريع الثقافية، وليكن ذلك وفق مشروعها الكبير في تنمية المواطن السعودي، تعليميًّا وثقافيًّا وفكريًّا.