هكذا توالت الأحداث، والمناسبات الهامة من وصول صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام للبلاد سليما معافى وانطلاقة قمة مجلس التعاون الخليجي الثلاثين ثم إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله لميزانية الخير والنماء، مرورا بمنتدى الرياض الاقتصادي في دورته الرابعة، كل هذه المناسبات الهامة انطلقت في حيز زمني ضيق، لا تكاد تفرغ من التأمل فيها وقراءة ما وراء سطورها، حتى تباغتك الأخرى فتكون في حيرة من أمرك، فبأيها تبدأ مقالك الذي لا يطل على القراء غير مرة كل نهاية أسبوع، فالأحداث تترى وتمضي مهرولة، تعجز عن ملاحقتها أعمدة الصحف اليومية ناهيك عن الأسبوعية، ولكن حسبي أن أتحدث اليوم فأتناول أمر الميزانية ومنتدى الرياض الاقتصادي معا، ظنا مني أن قد أمسكت بقاسم مشترك بين المناسبتين، فالميزانية التي أعلنها مليكنا المفدى حفظه الله جاءت كما توقعناها وتوقعها المراقبون للشأن الاقتصادي في بلادنا، ثرة ومحتشدة، فمنذ اندلاع الأزمة المالية العالمية والمهتمين بالشأن المالي، يرصدون آثار الحكمة والكياسة التي أدارت بها حكومتنا الرشيدة، تلك الأزمة الكاسحة، الأمر الذي جعل من خروج الميزانية لهذا العام بمثل هذه القوة، متجاوزة ومحطمة لرقمها في الميزانية السابقة بنسبة 14%، أمرا منطقيا ومبررا اقتصاديا برأي الخبراء.إذاً فما الخيط المشترك الذي يربط الميزانية بمنتدى الرياض الاقتصادي؟ في اعتقادي أن الأرقام التي طرحت في الميزانية والمخصصات التي رصدت لكل مفصل من مفاصل التنمية في بلادنا، بحاجة ماسة إلى توصيف أكثر عمقا للمواضع التي ينبغي التركيز عليها، ورصد تدفقات التمويل إليها بمهارة علمية رصينة، وذلك ما رأينا أن منتدى الرياض الاقتصادي قد أسهم بقدر لا يستهان به في التأسيس له بجدارة بل ظل يفعلها منذ انطلاقته الأولى، حتى لكأن المنتدى هو توأم الميزانية، أو الوجه الآخر لعملة الميزانية إن جاز لنا التعبير، وصحيح أن الميزانية لا تخرج وتوضع للتنفيذ، إلا بعد دراسات مستفيضة واستقصاء لاحتياجات التنمية الشاملة، تسهم فيها جهات مختلفة من مراصد وتقارير وإحصاءات، إلا أن المنتديات الاقتصادية تبقى محاور أساسية وركائز مهمة لخطى الميزانية، والمؤشرات على ذلك كثيرة، لعل ما تمخض عنه منتدى الرياض الاقتصادي من توصيات، تعتبر خير أنموذج للتنوير لخطى الميزانية، ويكفي أن نشير هنا إلى التوصية التي تعتبر مبادرة خارقة ومبتكرة، تتماشى مع خطى الإصلاح والتطلعات، ألا وهي التوصية بإنشاء كيان مؤسسي لدعم المعرفة تحت مظلة المجلس الاقتصادي الأعلى، وتحت مسمى «اللجنة الوطنية للاقتصاد المعرفي». وشخصيا أعتقد ان هذه المبادرة، جريئة وجاءت في وقتها لأن جميع توجهات الاقتصاد في العالم هو توجه ينحو أو يقوم على المعرفة وتقنياتها ، ونحن اليوم بحاجة ماسة لبناء اقتصادنا على هذا النحو وهو ما تخطط له حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.