تعددت مداخل الصورة الشعرية لدى الشاعر السعودي المعاصر، وأحاول هنا، أن أشير إلى أن الشاعر المعاصر أصبح على يقين بأهمية تداخل الصور الفنية مع العمل الشعري؛ حيث نرى الدواوين المعاصرة والأعمال الأدبية عمومًا تعنى بالصورة التشكيلية والفوتوغرافية إلى أقصى مدى، وهو ما يدل بطريق أو بآخر على وعي بقيمة الصورة ودلالاتها المتعددة في العمل. وتتعدد أشكال ذلك؛ فمنهم من يعمد إلى صورة تشكيلية، يختارها بدقة لتتحرك في مدى الديوان بدءاً من غلافه، ويحركها الشاعر من غلاف الديوان إلى نهايته كأرضية لكل نصوصه؛ كالذي نجده في ديوان صالح الزهراني، (ستذكرون ما أقول لكم )؛ الذي جاء بناء غلاف ديوانه الخارجي على النحو التالي: والصورة التشكيلية المصاحبة لعنوان الديوان عمل تشكيلي ينتمي للاتجاه التعبيري/ الرمزي، واللوحة معبرة تماماً عن عنوان الديوان، بداية من العين التي ترقب الزمن/الساعة، في دلالة رمزية إلى أنه سيأتي اليوم الذي ينقد فيه الآخرون أقوالكم وأفعالكم، لأن التاريخ يسجل الأحداث بأدق تفاصيلها، والفنان استحضر رمزاً يدل على فتح الأبواب المغلقة لكنه أهمل المفتاح، وهذه إشارة جيدة إلى أنه لم يحن الوقت بعد لفتح المغلق (1). ثم نراه يجعل الصورة التي تمثل خلفية لعنوانه، وتمثل حركة الزمن المتقاطعة، تنسحب من غلاف الديوان؛ لتشكل خلفية وأرضية لكل نصوصه الشعرية التي كتبها في الديوان.ونضرب نموذجا على ذلك من نصه «لغة خارج الأبجدية « (انظر شكل 2) الذي يتقاطع في أفكاره مع دلالات الزمن في الصورة التشكيلية والعنوان العام للديوان عبر عنه بقوله : من بزوغ النكسة الأولى لموت النكسة الأخرى ومن نسف المطارات إلى قصف الحصونِ كنت أشكو من تضاريس الشعارات ومن مدّ الفراغات ومن خيل الطنينِ كنت «يا مغلقة العينين «مفتوحا على الرؤيا صباحاً خارجا من ودق أبياتي فماً حراً ،حماماً مسرجاً بالنور والنار على «شلال طين ِ وعلى ذات القرونِ وعلى مدخل جرحي أوقفوني قرؤوا وجهي وكفي نبشوا أبيات شعري كشفوا حتى جفوني حددوا عمق الزوايا في عيوني قلّبوني ومع دقة هذا الفحص لمّا يعرفوني ... قلتُ :غيض الوقتُ لا تنفعلوا ..هاكم سكوني!!!! (2) الشاعر هنا تحرك في نسج صوره الشعرية في النموذج السابق معتمداً على حركة الزمن التي تبدو عاملاً مشتركاً بين الصورة التشكيلية والعمل الشعري ؛حيث يتحدث النص عن النكسات التي مرت على أمته، وهي تتقلب من نكسة لأخرى في الوقت الذي يتجه جهدها إلى رقابات صارمة لا يستطيع معها اللسان أن ينطق أو يعبر بحرية عن العوار؛ مما يدفع الشاعر إلى التزام السكون والصمت على الألم (هاكم سكوني)، وتنعطف بعد ذلك رؤية النص لتذكّر عنوان الديوان الذي يجزم فيه الشاعر قبلاً أنه سيأتي اليوم الذي يتذكرون رأيه: (ستذكرون ما أقول لكم ) والعنوان يستحضر أبعاد النص القرآني الذي يقول الله تعالى فيه على لسان مؤمن آل فرعون: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (3)، وكأن الشاعر يتنبأ بما سيكون، فهناك مجاذبة ظاهرة في تكوين الصورة بين العنوان المتناص مع الآية القرآنية والعمل التشكيلي والنص الشعري ؛كل ذلك دعم للرؤية التي آمن بها الشاعر . ----------- (*) جرى العرف أن العمل المنشور يعرض على الأديب ليقوم بمراجعته في شكله النهائي قبل نشره، و يشمل ذلك ما يوضع من رسوم تشكيلية أو صور فوتوغرافية مصاحبة للعمل . والأديب من وجهة نظري يتحمل المسئولية الكاملة عن عمله كله. (1) انظر حول هذا الاتجاه :د.محسن محمد عطية ،اتجاهات في الفن الحديث .دار المعارف المصرية .الطبعة الثانية 1993م . ص 119 -127 . (2) صالح سعيد الزهراني ،ستذكرون ما أقول لكم ، من منشورات نادي جازان ،الطبعة الأولى 1419 ،1999م . ص 34-36 . (3) سورة غافر، آية 44 .