(قراءة في قصة سورة غضب) تطرح قصة (سورة غضب) لمقبول موسى العلوي سؤال الإحساس بالأشياء، ومعنى أن يكون إحساسك فريدًا. تنجح القصة منذ البدء في تكريس إحدى أهم سمات الأدب السردي، وهي التشويق الذي نفتقده في الكثير من القصص. القصة تعتمد إثارة الترقب لهذه الجرأة التي تحلّى بها الصبيُّ في القصة، وهو يكشف مغامرة الحبّ التي بدت غير مألوفة في سياقه الاجتماعي. فأصدقاؤه أنكروا عليه ذلك، وجاره الذي يرقب الصبيّ، وهو يتلصص على ما بحوزته بدا أشد غرابة، فكان بين الرضا والسخط من نظرات الصبيّ إليه. بل لقد أسهمت القصة في تعزيز التوتر إذ استدعت ثقافة الحجب، وانتهاك المحرم. فها هو الصبي يتسلّق الشجرة التي تطل على فناء جاره؛ ليسترق نظرة ليهنأ بنظرة عجلى لما يحب. أثناء قراءة القصة لا ينازعك شك في أن المنظور إليه ابنة جاره، وقد درّب نفسه على اختلاس النظر دونما حياء. وإذا كان القارئ يترقّب ردة فعل الجار، فقد خيّب الجار ظن القارئ بتسامحه وعدم مبالاته. ودون خطابية تكشف القصة في نهايتها عن إحساس الصبي تجاه سيارة جاره التي تبدو استثنائية، لقد تعلّق الصبي بالشيء لا بالإنسان، بسيارة الجار لا ابنته. قضية التعلّق بالأشياء هي أحد أهم فضاءات الحب التي نعيشها، وهي تنبع من رغبتنا في الامتلاك. وبين الامتلاك والحب قد تسقط اللوعة، ويحل محلها الرتابة. الصبيُّ شغل نفسه بسيارة جاره، فجمع صورها، وأرّخ لها، حتى امتلكت عليه فؤاده، وفي المقابل كان الجار ضنينًا بها، يحجبها عن العيون، ولا يترك للعيون فرصة التمتع بها. لقد كانت نهاية القصة حاسمة، إذ فتحت باب الإحساس بالأشياء، لكنه إحساس صبي مازال للأشياء معنى في حياته، فهو مقبل برشاقة على الحياة. فولاؤه لما يحب أكبر ممّا قد نتوقعه من صبيّ. إن ثقافة الإحساس بالأشياء ثقافة يمكن التدرّب عليها، وهي ثقافة تعمّق إنسانيتنا، وتعمّق حاجتنا للاعتناء بالأشياء من حولنا. فرغم أن رمزية الخطاب في القصة تنطوى على حالة مادية قد تصنّف في خانة تعلّق الشباب بالأشياء، والتعلّق في هذه الحالة تعلّق رومانسي، يقدّم العاطفة على العقل، فإن حقيقة الأمر تفصح عن موقف عام نمارسه بعقوق مع الأشياء من حولنا. من هنا يمكن النظر للدعوة لعمارة الأرض من خلال هذا السياق الذي يقول بأهمية الإحساس بالأشياء المسخرة لنا.