العنوسة ظاهرة مقلقة في مجتمعاتنا، تقض مجامع الآباء والأمهات والأسر والمجتمع همًّا وقلقًا، وتفكيرًا.. والمرأة كالرجل لها حاجات وشعور وشهوة وإحساس، بل تزيد على الرجل بمشاعر الأمومة والحنان، وهذا ما تفقده العانس التي لم تُرزق بزوج وبأولاد. ولقد صدق الله عز وجل في قوله (وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإمَائِكُمْ إن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)، فهذا أمر رباني يعني الامتثال، وتحريم ترك الزواج لأجل خوف الفقر والفاقة. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر الشباب مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه. هذا وللعنوسة أسباب كثيرة منها: 1- جشع الآباء وأولياء البنات، وطمع الأمهات والإخوان بطلب المهور الباهظة والتكاليف الكبيرة للزواج، ممّا يهرّب الأزواج من البنات، وذلك بدعاوى كثيرة، كقولهم: نحن لسنا أنقص من آل فلان مهرهم كذا! وعرسهم في القاعة الفلانية! وكلّف زواجهم كذا وكذا.. الخ مما يفضي إلى تأخر زواج البنت، وعزوف الشباب والرجال عنها لكبرها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في النساء: «أيسرهن مؤنة أعظمهن بركة». مماطلة البنت أو أمها أو أوليائها برد الخطّاب وتعطيلهم بأعذار واهية وأسباب سخيفة، حتى تكبر البنت ويفوتها سن الزواج ولا يطمع بها إلاّ ذوو الأعذار من كبر أو مرض.. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» متفق عليه، وفي رواية «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه» الحديث، فالواجب على العقلاء المبادرة بتزويج مولاياتهم من الكفء، ولو كان فقيرًا أو أقل تعليمًا، إن كان مرضيّ الديانة والخلق والأمانة.. وأيضًا ترضاه البنت ولا تغضب عليه. من أسباب العنوسة الواقعية، والتعذر من بعض البنات وأوليائهن بتأخير الزواج بأعذار الدراسة، والعمل الوظيفي بعد التخرج حتى تتجاوز البنت (30) سنة، فلا يرغب بها إلاّ الكبار، وينصرف عنها الناس لاشتهار ردهم الخطاب بهذه الدعاوى، ولجشع الولي براتبها ووظيفتها. ومن الأسباب التهجير المشتهر في بعض الأعراف والسلوم الجاهلية، فتحجر البنت لابن عمها فقط، ولا تزوج من غيره، أو لا تزوج البنت إلاّ من قبيلة معينة دون غيرهم من القبائل، حتى تبلغ النساء سن اليأس وهن لم يتزوجهن أو تستعين بزوج وبأمر لزم، كغيرهن من النساء، مما ينتج عنه القهر والغم الكبير، والفساد العريض، لاسيما إذا وقعت العانس في الفاحشة أو أبوابها، حمى الله نساء المسلمين من ذلك ومن كل شر، ووفقهن للعفاف آمين.