تتربع البلدة التراثية القديمة في محافظة العلا على تل رملي موازي لأحد أطوار المحافظة الباذخة في فراعتها والمتناغمة في عناقها للسماء بألوانها الداكنة في لوحة بديعية أخاذة، وقد زاد من جمالها وتألقها أشجار النخيل بفروعها الباسقة والمتمايلة. تلك البلدة المقامة منذ سبعة قرون بتلاحم عجيب، وحميمية جعلت أكثر من سبعمائة وحدة سكنية تبدو بيتاً واحداً يحوي مئات الغرف، ظلت صامدة بالتصاميم الهندسية المذهلة والصامدة أمام عوامل التعرية. ورغم أن البلدة القديمة تخلو تماما من السكان إلا أن عراقة تاريخها جعل الهيئة العامة للسياحة والآثار تعتني بها، فباشرت أعمال الترميم وإعادة التأهيل لممراتها ومداخلها وبعضا من المعالم البارزة فيها، وذلك في إطار برنامج المدن التراثية، وهو ما أعاد إلى وجهها رونقه وجماله فاستقطبت السائحين وكانت محطة هامة من محطات الجذب السياحي للزوار. هندسة عمرانية تصطف بيوت البلدة التراثية القديمة بالعلا متجاورة ومتراصة، حيث شيدت هذه المنازل بالفكر التقليدي ووفق معايير الهندسة العمرانية البيئية القديمة، فالسقوف من جذوع النخيل والجدران من الطين والحجارة المنتشية بعبق التاريخ الذي يتسلل للزائر حيثما نظر في كافة تلك الأرجاء التي تحوي ممرات تفصل بين المساكن الصغيرة والمفضية إلى البوابات التي كانت تغلق ليلا لمنع التسلل للبلدة. وبالمثل كان اختيارهم لهذا الموقع المرتفع لحمايتها من مجاري الأودية والشعاب وقت الأمطار، لذا بوسع الزائر أن يلمس ارتفاع الموقع الذي شيدت عليه البلدة وأن ينظر على امتداد النظر إلى السهول الزراعية المنبسطة والمتكدسة بالمزارع القائمة منها والقديمة. خلفيات بانورامية ونظرا للعناية التي أولتها الدولة لهذا القطاع من الآثار أصبحت البلدة التراثية في العلا محطة جذب ليس فقط للسائحين بل للمنتجين الفنيين والمخرجين الذين وجدوا فيها مكانا مميزا لتصوير المشاهد الفنية، حيث تشكّل هذه البلدة بخلفياتها وبانورامية ملامحها نقطة جذب لهم أيضا. وإضافة إلى بنائها على هضبة مرتفعة عن الأودية والشعاب، فإن تخطيط البلدة قد تشكل بطريقة يسهل الدفاع عنها، فللبلدة القديمة 14بابا تفتح صباحا وتغلق مساء، وتتكون بيوتاتها من طابقين، غالبا ما يكون الاستقبال فيه في الدور الأول، فيما بنيت غرف فوق الأزقة الضيقة لزيادة مساحة الأدوار العلوية. ويصنف علماء الآثار القرية التراثية في العلا بأنها إحدى ثلاث مدن إسلامية باقية من القرن السابع الهجري تمثل المدينة الإسلامية بمساجدها ومنازلها وأسواقها. كما تتميز بالخصوصية، كونها قريبة من مراكز تجمع السياح الذين يزورون مدائن صالح. تأهيل وتطوير وقد أوضح الدكتور يوسف المزيني المدير التنفيذي لجهاز السياحة والآثار في منطقة المدينةالمنورة، أن مشروع تأهيل القرية التراثية يهدف إلى تحويلها إلى قرية سياحية عالمية متعددة الأنشطة بطريقة تكفل المحافظة على تراثها العمراني وتحقق عوائد لمالكيها وسكان المحافظة من خلال توفير فرص وظيفية واستثمارية جديدة عبر التنمية والتطوير وإعادة التأهيل وتوظيفها اقتصاديا. حيث تسهم مشاريع تنمية القرى التراثية في استدامة التنمية وتشجع على إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يعود بالنفع على السكان والمستثمرين، ومع توفر الخدمات الأساسية اللازمة فإن ذلك يشجع السياح ويسهم في قضاء جزء من برنامجهم السياحي داخل هذه القرى، مما يعود بالفائدة الكبرى على السكان المحليين، ويشجع الأسر على العمل في إنتاج متطلبات السائح.