(هأنذا أضع قدميّ على تراب أعرفه ويعرفني، منذ كان حجم القدمين أصغر.. أتجوّل.. أملأ عيوني بخشب الباب، وطين الأعتاب.. أملأ رئتي برائحة أحبّها.. هنا ركضنا خلف مجنون الحارة، وهنا فررنا من أمامه.. هنا كانت تصيح «أم عليثة»: يا عيال.. ما عيّنتوا الحرامي اللي يسرق الدجاج»؟!.. هنا كان «فلان» و«علّان».. فيهم العامل.. وفيهم الخامل.. فيهم المجنون.. وفيهم العاقل.. وكلهم نسيج من لحم.. ودم.. ومشاعر..! في هذا البيت «شطّفت» وجهي من غبار الركض.. وفي الآخر «غمّست» شابورة في الشاهي.. وفي البيت الكبير تحلّقنا – أنا وأترابي – حول أكبر (راديو) في الحارة.. وضحكت.. وبكيت.. ورجعت من حيث أتيت..! أين النّاس؟!.. ذهب الناس.. و.. «جنّة بلا ناس ما تنداس يا صاحبي..!). بهذه الكلمات التي آثر أن يدوّنها بخط يده، قدّم الكاتب يحيى باجنيد لمجموعة القصصية الموسومة ب«البازان وسيل البغدادية»، باسطًا في صفحاتها التي بلغت 97 صفحة من القطع الصغير 21 قصة استهلالها مع «يا الآخر.. أنا وراك» وخاتمتها عند «رصيف نمرة حمسة»، وبينهما عوالم لزمن مضى يقرأ في حنين ومواقف سلفت مناخها في مقدمة الكاتب.