البروفيسور نصر حامد أبو زيد أحد أبرز المفكرين المثيرين للجدل؛ عاد إلى مصر بعد رحلة طويلة قضاها في المنفي بهولندا قاربت الستة عشر عامًا إذ يعمل أستاذًا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن. عاد وعاد معه الجدل بعد أن تم منعه من دخول الكويت حيث كان من المقرر أن يلقي محاضرتين بناء على دعوة تلقاها من “منتدى التنوير”. ورغم شعور الباحث الذي اتهم بسبب أبحاثه العلمية بالارتداد والإلحاد في منتصف التسعينيات وتلقى حكمًا قضائيًا بالتفريق بينه وبين زوجته الدكتور ابتهال يونس.. وقد بدا متماسكًا في نقابة الصحفيين المصريين التي عقدت مؤتمرًا معه قبل أيام، مؤكدًا أن ما حدث أمر مؤسف؛ لكنه لم يهتم كثيرًا لأنه دخل الكويت بالصوت من دون صورة؛ في إشارة إلى تواجد فكره وآرائه وكتبه عبر الإنترنت متواصلاً من خلالها مع الكويتيين.. ورغم تزاحم عشرات الصحفيين ووكالات الأنباء المحلية والعالمية حول الدكتور نصر أبو زيد لكنه تقبّل كل أسئلتهم حتى تلك التي قد تزعجه.. المزاحمة لم تمنع “الأربعاء” من اقتناص الفرصة.. فلم تجد من أبو زيد إلا رحابة الصدر وصراحة مبثوثة في ثنايا هذا الحوار.. إرهاب فكري * لنبدأ من قرار منعك دخول الكويت.. ألم يكن بمقدورك أن تتقبل ذلك بأي صورة من الصور؟ إذا كانت هناك أسباب واضحة، إذ إن من حق الشخص أن يعرف الأسباب القانونية لمنعه من دخول أي بلد عربي. كان من الممكن أن أتقبل الأمر لو كان قرار منعي من دخول الكويت بسبب إصابتي بمرض أنفلونزا الخنازير مثلاً، إلا أنني وصفت ما حدث معي بالإرهاب الفكري. عمومًا أنا لا أقصد الكويت الوطن كما فهم بعض الذين علقوا على كلامي على شبكة الإنترنت؛ لأن كل من يعرف أفكاري وكتاباتي يدرك معنى الذي أقوله، ولأن القرار لا يلوث دولة الكويت حتى إذا كان البعض بها لم يحترم القانون.. وقد عوملت بشكل جيد في المطار وقال لي أحد العاملين به :»يبدو أن نواب البرلمان الذين طلبوا عدم دخولك للبلاد خائفون منك ولن يقدروا على مناقشتك».. وقد تلقيت اعتذارًا من جانب العديد من الشخصيات البارزة هناك. اضمحلال الديمقراطية * هل ترى أن ما حدث معك واقعة فردية تُرد إلى اختلاف البعض مع أفكارك المثيرة للجدل؟ ما حدث ليس حادثة فردية. للأسف الديمقراطية في بلادنا تسير من سيئ إلى أسوأ . يجب الاعتراف بحق الاختلاف وحق المفكّر في أن يفكر ويعبّر عن رأيه، والذي يريد الرد عليه أن يرد بالفكر والكلمة والحجة وليس بالإرهاب أو القمع أو الرصاص أو التهديد. كارثة كبرى * أنت من جملة المفكرين.. فلماذا تتعرض كتاباتك الفكرية دائمًا لهذا الهجوم؟ إذا كان كتاب الله يفسر بالخطأ، من خلال تفسيرات وتأويلات متباينة، فإن أي كتاب يمكن أن يتعرض إلى التشويش. السبب الأكبر برأيي يرجع إلى فشل أنظمة التعليم. وأكبر مثال على كلامي هذا هو تعليقات القراء الواردة على الإنترنت التي قمت برصدها بعد واقعة منعي من الدخول إلى الكويت، والتي تدل على عدم وعي؛ فمثلاً وجدت أحدهم يعلق قائلاً: “أنا أوافق على كل ما يقوله نصر أبو زيد برغم أنني لم أقرأ له كلمة واحدة”.. وهذه بالطبع كارثة كبرى إذ كيف تقيم شخصًا من دون أن تقرأه. هيمنة الخطاب الفقهي * كيف يمكن دراسة الفكر وفق رؤية الدكتور نصر أبو زيد؟ قلت مرات عدة ولا زلت أكرر انه لا يمكن بأي حال دراسة الفكر إلا من خلال إدراجه في سياقه الثقافي والاجتماعي والتاريخي بصورته التطورية. قبل القرن الرابع عشر كانت هناك رؤى مختلفة في الفكر الإسلامي ومنها الرؤية الفقهية وكانت كل هذه الرؤى مصدر ثري لكن خلال أربعة قرون بعد ذلك أصبح نمط الفكر الديني المهيمن هو الخطاب الفقهي واختفت الرؤى الأخرى وبذلك توقف تطور الفكر الإسلامي. ولبناء نظرية تشريعية لم يكن القرآن على قدسيته كافيًا ولا السنة النبوية تكفي إذ إن السنة لم تكن قد جمعت بعد، وتطلّب جمعها مائة وخمسين عامًا؛ ولذا عُدّ الإجماع والاجتهاد كمصادر للتشريع. والآن يجري إيجاد الحلول باللجوء إلى الماضي وهذا هو ما يسمى بالقياس، وفي الفكر الإسلامي المعاصر أصبح كل شيء معلوم بالدين معلوم بالضرورة وهذا يقود إلى التكفير إذا أنت أنكرت أمرًا معلومًا بالضرورة. أصبحت المرجعية بالكامل لهذا النوع من الفكر. في حين كان الأمر فيما سبق ينهض على بنية تشريعية قوية تستمد من الرؤى الأخرى المحيطة بها مثل الفلسفة وعلم الكلام، وكان فقهاء كُثر ينتمون إلى هذه الرؤى. أما البنية الفقهية الحالية فتتسم بالفقر، لأن فقهاء اليوم لا يعرفون شيئًا عن علم الكلام أو الفلسفة. الحيوان المفكّر * أما زلت مؤمنًا بمقولة «أنا أفكر إذن أنا مسلم»؟ أظن أن المسلم الذي لا يفكّر فاقد لأهم سمة وهي الإنسانية. فالمسلم إنسان والإنسان وفق التفكير الفلسفي حيوان مفكّر، وبالتالي إذا لم يفكر لم يتبقَّ له شيء من إنسانيته. إذا أنا لم أفكر كمسلم فأنا غير موجود بالمرة. * هل تفكر في العودة للإقامة بمصر ومعاودة التدريس بالجامعة مجددًا ؟ (ضاحكًا) عمري الآن 67 عامًا وهذا يعني أنني قد تخطيت سن التدريس بالجامعة. لا عزلة * لكن وجودك بالتأكيد أمر مهم بالنسبة لك للتواصل مع تلامذتك وقرائك؟ العالم الآن أصبح صغيرًا للغاية. بالنسبة لي لا توجد مشكلة إذ إنني أتواصل مع كل الدنيا عبر الإنترنت وبواسطة الإيميل. هذه التقنية الحديثة اختصرت الكثير من المسافات وبالتالي لا أعاني من أي عزلة فأنا أعيش في مصر بأفكاري وآرائي. عوالم القرآن * ما أبرز مشروعاتك الفكرية التي تعكف علىها حاليًا؟ قطعت شوطًا طويلاً في كتابي الجديد «عوالم القرآن» وهو جهد ستة أشهر مضت ولم أنتهِ منه حتى الآن. أرصد في هذا الكتاب العوالم القرآنية المختلفة؛ فهناك مستويات عدة للقرآن منها على سبيل المثال المستوى الكوني والروحي والقانوني والمجتمعي..إلخ. وهذا الكتاب يُعد نضجًا واضحًا لكل ما كتبته من قبل وتطورًا لأفكاري، كما أنه يتضمن أجزاءً من أعمال نشرتها بالفعل من قبل. صلاحية الأفكار * فكرة النضوج هنا هل تعني أن هذا الكتاب قد يتضمن بعض المراجعات الفكرية؟ عمومًا صلاحية الأفكار غير مرتبطة عندي بتطبيقها المباشر في وقتها. لكن في كتابي الأخير يمكن أن تقول إن الفكرة نفسها التي سبق أن طرحتها بشكل مكثف ومختصر تحتاج إلى تطور جديد وهذا ما اشتغلت علىه في «عوالم القرآن» وهذا أمر طبيعي في تاريخ الفكر عمومًا، لكن أفكاري الأساسية لا أجد فيها أي خطأ ولن يكون لدي أي تراجع فيها. المواطن «الدايخ» * كيف تقرأ المشهد الفكري في المجتمع المصري.. هل ترى ثمة تحولات طرأت عليه أخيرًا؟ بالتأكيد الحياة اختلفت كثيرًا عن ذي قبل في المجتمع المصري. المواطنون المصريون غارقون في أزمات بشعة: أنفلونزا الخنازير، وحادث غرق العبارة السلام 98 وسلسلة الحرائق التي شهدتها مصر كحريق مسرح بني سويف الذي أودى بحياة عشرات المبدعين وحوادث تصادم القطارات المتكررة باستمرار. أصبح لدينا نموذج واضح للمواطن «الدايخ» بسبب بحثه عن لقمة العيش والاضطهاد والقرارات الرسمية التي لا تخدم الناس. التحدي الكبير * برأيك كيف يمكن للمثقف أن يناضل لإعادة الأمور إلى نصابها؟ عليّ كمثقف وكمفكّر أن أكون جزءًا من مشاكل المجتمع ولا أكون منفردًا أو منعزلاً أو في برج عاجي، وهذا هو التحدي الكبير في الوقت الراهن، لأن هذه الأزمات التي أتحدث عنها يتعرض لها كل مواطن ومن بينهم أهلي وأقاربي. الحزين المتفائل * هل أنت حزين بشأن المستقبل؟ - بالتأكيد.. إذا كان هذا هو حال الواقع الذي نعيشه الآن فإنني أحزن بشأن المستقبل، لكنني في الوقت ذاته لا أتشاءم، لأن هناك دائمًا أمل. نصر أبوزيد.. ابن “طنطا” المثير نصر حامد أبوزيد أكاديمي مصري متخصص في فقه اللغة العربية. نشأ في أسرة ريفية بسيطة، ولد في إحدى قرى طنطا في 10 يوليو 1943، في البداية لم يحصل على شهادة الثانوية العامة التوجيهية ليستطع استكمال دراسته الجامعية، لأن أسرته لم تكن لتستطيع أن تنفق علىه في الجامعة، لذا اكتفى عام 1960 بالحصول على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي، ثم حصل على ليسانس اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة 1972 م، تقدير ممتاز. حصل على درجة الماجستير من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1976 م، بتقدير ممتاز. ونال درجة الدكتوراه من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1979 م، بتقدير مرتبة الشرف الأولي. عمل في وظيفة فني لاسلكي بالهيئة المصرية العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية 1961 -1972م. ثم معيدًا بقسم اللغة العربية كلية الآداب، جامعة القاهرة 1972م. وانتقل منها للعمل مدرسًا مساعدًا بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1976. حصل على منحة من مؤسسة فورد للدراسة في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة 1976-1977م، وعاد ليعمل مدرسًا بكلية الآداب جامعة القاهرة 1982. ثم أستاذًا مساعدًا بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1987. وكانت في تلك الفترة قد حصل على منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة بنسلفانيا الأمريكية 1978-1980م. ليعمل بعدها أستاذًا بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1995. من أهم كتبه ومؤلفاته: * فلسفة التأويل * إشكاليات القراءة وآليات التأويل * المرأة في خطاب الأزمة * التفكير في زمن التكفير * القول المفيد في قضية أبوزيد من أبرز الجوائز التي حصل علىها خلال مسيرته: * جائزة عبدالعزيز الأهواني للعلوم الإنسانية من جامعة القاهرة 1982م. * وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس جمهورية تونس 1993م. * جائزة اتحاد الكتاب الأردني لحقوق الإنسان 1996. * ميدالية «حرية العبادة»، مؤسسة إلىانور وتيودور روزفلت2002.