كم أنت عظيم يا أبي.. علمتنا الكثير .. الكثير.. أحطتنا بالعناية والاهتمام وحسن الرعاية والبناء.. كنت أباً .. معلما تربوياً.. صديقاً وصدرا حنوناً كنت ترى فينا الفعل المستقيم ..فتعززه وتؤازره .. وتغض الطرف عن غير ذلك من جهالاتنا.. رعيتنا روحاً وجسدا.. فكرا و علما .. ذوقاً و أدباً.. كنت بنّاءً .. معطاءً.. تتوجه لمن حولك بالمدح والثناء والنصح السديد.. وبث روح الحماسة بما حباك الله به من قوة التأثير.. كم أنت عظيم يا أبي .. كنا نتعلم منك كل يوم.. كل لقاء.. كل لحظة.. عندما تتكلم ننصت لك.. و عندما تنظر إلينا نفهم عنك.. عندما تسير نتحرك معك.. كم أنت عظيم يا أبي .. علمتنا حب العلم واحترام اهله.. علمتنا إنزال الناس منازلهم.. وإعطاء كل ذي حقٍ حقه.. علمتنا الأدب في الحديث و الكلام.. في الجلوس والقيام.. في الضحك و الابتسام.. علمتنا احترام الصغير قبل الكبير.. وعذر الغني قبل الفقير.. و العطف على القوي قبل الضعيف.. كانت حياتك كلها حكما وعبرا... لم تتعلم في معاهد فنون الإتكيت ولم تتلق دورات في مهارات التعامل الإنساني.. ومع ذلك كنت مهذبا.. منظما.. مهندما. راقيا في تعاملك.. كريما في طبعك.. خلوقا في سلوكك رقيقا في مشاعرك.. رهيفا في إحساسك.. غنيا بنفسك.. تشعر بمشاعر الضعفاء و المساكين.. و ترحم النساء و الأطفال و المغتربين ترضى بالقليل و تشكر الله كثيرا عليه.. كم أنت عظيم يا أبي .. كنت خفيف الظل.. حلو المعشر.. جميل المنطق.. كلامك حكمة.. وصمتك عبرة.. مجلسك ثري بالعلم و الفكر و الأدب.. غني بالنقد و التحليل.. مليء بروح الفكاهة و الترفيه.. يأنس به الوزير والخفير.. الغني و الفقير.. الكبير و الصغير.. لك رؤيةٌ و استشرافات .. و حكمة ورأيٌ سديد.. كم أنت عظيم يا أبي .. كنت معلماً في صمتك قبل حديثك.. كنت معلما في مرضك قبل صحتك.. كنت في آخر أيامك.. أوقاتنا معك كلها دروس و حكم و عبر.. علمتنا ... درساً في الصبر.. علمتنا ... درساً في الجلد.. علمتنا ... درساً في الشكر.. كنت عندما نسألك دائماً .. كيف أنت يا أبي؟ تجيب بالحمد لله ..وإن شد عليك المرض تزيد عليها فتقول «على كل حال»... وعندما يسألك الطبيب... تصمت وتنظر إلى السماء .. والألم يعتصرك .. لكنك تأبى الشكوى إلى غير من بيده الشفاء.. كم أنت عظيم يا أبي .. صححت قاعدة وضعها المجتمع.. (فاقد الشيء لا يعطيه).. حرمتَ من الكثير الكثير .. وفقدت سمعك وأنت طفل صغير.. عشت بعزةٍ وغنى نفسٍ كبير.. وأغدقت على من حولك بالعطاء الوفير.. أنت كما وصفك المعزّون فيك: (رجل لا يتكرر).. كم أنت عظيم يا أبي ..