* استيقظ على نغمة منبه جواله (الفنلندي) الذي كان قد ضبطه على العاشرة والنصف ! .. نهض بتثاقل معتاد .. و قبل أن يغسل وجهه .. لاحظ تسرباً في (أنبوب) الماء ..رغم قدرته على إصلاحه ، ورغم ظروفه المادية إلا انه قرر الاستعانة بصديق!!.. انحنى قليلاً أمام المرآة ضاغطاً بسبابته على وجنته لتفقد أثار سهرة البارحة على عينيه المتورمتين باحمرار، و هنا دارت في رأسه أهم عناوين و ( مانشيتات) حوار البارحة مع (الشلة).. كان جدلاً عبثياً مكرورا ًحول البطالة ، و الأجانب الذين ( أكلوهم ) .. ( والله حرام !!) .. ( وظائف الشركات و الأسواق كلها من هؤلاء ).. (أين المسؤولون؟! ) ..( لماذا لا يعطوننا الفرصة)..( نحن أجدر منهم ) هكذا كانت الأصوات تتطاول دونما ترتيب طوال الليل .. في حدةٍ لا يكسرها سوى فواصلٌ من التعليقات والضحكات على ما تعرضه الفضائيات !!.. وصوت (قرقرة) الشيشة !. * استقل سيارته ( اليابانية ) القديمة .. التفت للمقعد الخلفي للتأكد من وجود ملفه (العلاقي) الأخضر .. الذي لا يحوي سوى صورة هويته، وشهادة الصف الثاني المتوسط.. انطلق بعد أن أدار موجة الراديو فانبعث منه صوت محمد عبده وهو يردد « إشرب قبل لا يحوس الطين صافيها !» . توقف أمام محل صغير للسباكة .. اخرج قلمه، و كتب رقم جواله على جزء من علبة المناديل الفارغة ،ثم ناوله لسباكٍ ( هندي ) طالباً منه الحضور مساءً .. و محذراً إياه من المنتجات الصينية.. فهو يرى في الصين أمةٌ فاشلة !! .. دلف إلى ( كافتيريا ) صغيرة مجاورة .. وبأدب غير معتاد، طلب (ساندويتش) وكوباً من الشاي.. كانت عيناه تبتسمان بخبث للعامل ( البنجلاديشي) الذي أحس بالخطر .. التهم إفطاره، ثم اقترب من العامل طالباً منه سُلفه ( 150) ريالاً ، فخزان السيارة فارغ من الوقود .. ولا يخلو الأمر من بطاقة شحن للجوال ! .. قاطعه العامل بحدة مصطنعة مرتجفة : «الأسبوع الماضي أعطيتك ثمانين ريالاً، و لم تُعِدها !» .. كانت هذه الجرأة ( البنجلاديشية) كفيلةٌ بعودة صاحبنا إلى سيرته الأولى .. فعيناه المحمرتان أصلاً تحولتا إلى منابع للشرر .. نهره بعنف .. شتمه.. ثم شتم بلاده التي لم تخرج للعالم إلا الفاشلين من بائعي (الساندوتشات) أمثاله !! .. ياله من أحمق .. كيف يتجرأ و يرفض طلبه.. ألا يعلم هذا الآسيوي الأرعن أنه من سلالة عربية نادرة، أشاد بها (حمد السعيد) و جميع حكام شاعر المليون !! .. يا له من جاهل ! . * وصل أخيراً إلى مبنى الشركة.. أصلح وضع شماغه ( الانجليزي ) على الجزء المتبقي من مرآه السيارة.. تأبط ملفه ، ثم دخل المبنى .. في ردهات الشركة لاحظ حركة دؤوبة لأكثر من عامل ( فلبيني) .. فتحركت في رأسه الغيرة ( الوطنية ) من جديد! .. و تذكر أجزاءً إضافية من حوار البارحة ..ولأنه ضعيفٌ في الجغرافيا فقد شتم (اليابان) !! .. دخل إلى مكتب صديق صديقه، الذي رحب به، ثم عرض عليه الوظيفة.. وهنا تغيرت سحنة صاحبنا .. لم يسأل عن المرتب أو المزايا .. فالصدمة ألجمته .. ( عامل ؟! ) أهذه هي الوظيفة التي أقلقت صباحه !! .. ألم يقل له صديقنا المشترك أنني رفضت أعمالا كثيرة أفضل منها لأنها لا تتناسب مع مؤهلي ! و وضع قبيلتي الاجتماعي؟ ! .. يا الله .. لماذا لم يعد أحد يفهمنا ؟!.. و لماذا نحن محاربون بهذه الطريقة ! . شكر الرجل بطريقة جافة ثم أدبر يسعى .. في طريقه إلى البوابة لمح مهندساً ( عربياً ) يشغل مكتباً فخماً .. لم تلفت نظره اللوحة الكبيرة التي كُتب عليها « قبل أن تطلب من السماء حصاداً جيداً.. عليك أن تحمل محراثك علي كتفك أولاً «.. لكن ما لفته هو اللوحة الأصغر المكتوب عليها «مساعد مدير التخطيط» .. هز رأسه وابتسم ثم تمتم في نفسه : «دنيا حظوظ !.. قاتل الله الواسطة» !! . * خرج وهو يرعد ويزبد في الجوال .. وبعد أن توعد صديقه بردٍ قاسٍ، رمى جواله بغضب على المقعد المجاور.. أوقفته الإشارة بجوار مركبة كان سائقها يتصفح الجريدة.. من خلف الزجاج لمح صورة غريمه ( وزير العمل ) - مبتسماً كعادته - على الصفحة الأولى.. حسبل و حوقل.. وربما قال شيئا آخر ( خارج النص).. ثم أشاح بوجهه في الاتجاه الآخر .. في انتظار اللون الأخضر ! . [email protected]