* صحيح أن الكوارث في طول الدنيا وعرضها تفرز بعضاً من سلبيات المجتمعات كما تفرز ذهنيات مجتمعية فاسدة. وصحيح أن البعض من ضعاف النفوس وعديمي الضمائر يستغلون الكوارث والحوادث في أعمال لا أخلاقية بالسلب والنهب ورفع الأسعار واستغلال الحالات الإنسانية لأغراض دنيئة وشخصية.. ولكن الأصح من ذلك كله أن هكذا إفرازات وإن كانت مقززة فإنها حافز للضرب بيد من حديد على الفساد وأهله أياً كانوا. * منذ الأربعاء الأسود والصحف السعودية وخاصة هذه الرائعة والمتألقة صحيفة «المدينة» تنشر أخباراً متناثرة عن عمليات استغلال دنيئة آخرها الخبر الفاجعة يوم الخميس الماضي والمنشور في صدر الصفحة الأولى وبعرض ثمانية أعمدة عن استغلال ودناءة موظفين من وزارات ثلاث لكارثة الأربعاء وتزويرهم بيانات بهدف الحصول على تعويضات مالية. * حسب معرفتي أن هؤلاء المزورين ليسوا من صغار الموظفين أو من أصحاب الرتب العسكرية الصغيرة بل من موظفين ذوي مراتب جيدة ورتب ضباط وهو ما يعد في قناعتي فاجعة لا تقل في انعكاساتها وتأثيراتها السلبية عن الآثار المدمرة لسيول الأربعاء الأسود. فالسيول أزهقت أرواحاً ودمرت ممتلكات وجرفت الكثير وخلفت آثاراً نفسية سلبية ولكن وجود هكذا نوعية من الموظفين ومن وزارات بعضها أمني له من التدمير الأخلاقي وسلب الضمائر وترسيخ الفساد ما تعجز عنه الأجهزة المرئية في القضاء على تأثيراته، بل أزعم أن امتداده السلبي قد يصل إلى أجيال وربما يترسخ في جذر القاعدة المجتمعية المحلية لسنوات طويلة. * انعدام الضمائر والفساد الإداري والأخلاقي الذي فضحته سيول الأربعاء لم يكن وليد لحظته بل كان امتداداً لحالات فساد استشرت منذ زمن وترسخت في ذهنيات دنيئة لم تعرف سوى مصالحها الخاصة، وغاياتها اللا أخلاقية، حتى وإن كان على حساب الصالح المجتمعي العام وعلى حساب الأرواح البريئة التي أزهقت وجرفتها السيول بغير سبب. * ونحن إذ كنَّا ولازلنا نطالب بأن تتم محاسبة المتسببين في كارثة الأربعاء الأسود خاصة وأن ولي أمرنا رعاه الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله (نص) على ذلك في قراره الملكي الشجاع الخاص بتشكيل لجنة تقصي الحقائق، فإننا نطالب أيضاً أن يكون حساب المزورين ومتصيدي الفرص والمستغلين لحاجات الناس حساباً حازماً وبإشهار عام ليعرف كل من تسول له نفسه التعدي على حرمة الوطن في أمنه واستقراره المجتمعي أنه لن ينجو بأفعاله الدنيئة من العقوبة الدنيوية والمجتمعية فيصبح منبوذاً وغير أهل للثقة. * وأتفق مع مصدر وزارة المالية الذي أوردته صحيفة «المدينة» في خبرها عند قوله: «بأن وزارة المالية سترفع خطاباً إلى الجهات العليا لاتخاذ ما يلزم وتطبيق أقصى العقوبات بحق المزورين»، فهذا أقل ما يفعل في هكذا حال خاصة وأن نفوس المنكوبين والمكلومين والمتضررين لم تهدأ بعد وأن معاقبة المتسببين في الكارثة ومستغليها بقدر ما أنها ستكون مطمئنة لهم بقدر ما أنها ستضع تاريخاً ناصعاً لبداية حازمة وطاهرة في القضاء على الفساد أياً كان لونه .