فلسفة الرقابة والمنع في الإسلام لها أهداف تربوية قبل أن تكون سياسة شرعية .نعم فولي الأمر سواء كان ربّ المنزل أو رب العمل أو السلطان مسؤول أمام الله تعالى بامتثال الأمانة التي وُكل بها،وليس مسؤولاً عن اختراق الناس للمنع والتحايل على الرقابة فكل شخص مسؤول عن الدور المُناط به من منظومة الأمن الفكري الاجتماعي والسياسي،وليس من الشرع ولا من العقل أنّ يفرّط الإنسان في دوره ويتنصّل من مسؤوليته متذرعاً بأنّ وظيفته وعمله ليس ذي كبير جدوى فالأمر أولاً وآخراً أداء أمانة وواجب فردي .والأمر الآخر أنّ المنع والرقابة هدفها أسمى وأرقى ممّا يتصوّر البعض حين يرددون (ما فائدة المنع والحجب والرقابة في عصر الفضاء) .. فهؤلاء يغيب عنهم ذلك الهدف. إذ المنع والرقابة هدفها المحافظة على المعايير والقيم كما هي حتى وإن تم اختراقها بسهولة.يهمني كثيراً أن لا يقع ابني في ممارسة الخطأ .. لكن ما يهمني أكثر أن لا يتحوّل الخطأ في يوم من الأيام إلى سلوك طبيعي فضلا عن أن يصبح هو الأصل،والصواب هو الاستثناء.وهذا ما سيحصل – وحصل شيء منه – عندما نتخلى عن سياسة الرقابة والمنع. هل يدرك هؤلاء الفرق جليا بين أن يدخّن ابني في خفية عني وبين أن يدخّن أمامي وتحت سمعي وبصري ؟ هل يدرك هؤلاء الفرق بين أن يتمّ تعاطي الخمر خفية وباستحياء وبين أن يتم تعاطيه جهارا في وضح النهار ؟ هل يقول هؤلاء بأنّه من الطبيعي أن نترك دعاة الإرهاب والتكفير والتفجير يمارسون نشاطهم الفكري في بلادنا بحجة أننا في عصر الفضاء ؟ وإذا كان الجواب : لا،فلماذا يحتجون بهذه الحجة السقيمة في الدعوة لحرية العربدة الفكرية والتمرد على الثوابت حتى أصبحنا نقرأ لبعض السفيهات الدعوة لحرية تعدد الأزواج للمرأة ؟ الرقابة والمنع سياسة شرعية مطلوب منها تحقيق الحماية والأمن للأخلاق ولمنطق الحسن والقبح .. ليبقى الحسن حسنا وإن تركه الناس وهجروه،وليبقى القبيح قبيحا حتى وإن طغى الناس وارتكبوه،للأجيال التي تأتي حق علينا بأن نحافظ على المكتسبات المادية والخيرات التي استودعنا الله إياها وحمّلنا أمانة نقلها إلى من بعدنا،ولها كذلك حق بأن نحافظ على التراث القيمي والأخلاقي وأن ننقله كما جاء به الشرع ،وهذا لا يمكن تحقيقه إذا استجبنا لطلب من يدعو إلى رفع الرقابة عن النتاج الفكري في كل ما تطاله يد الرقيب الذي يجب أن يكون منطلقه شرعيا بالدرجة الأولى،ولا غرابة في هذا إذا عرفنا أنّ السياسة الإعلامية لهذه البلاد تقوم على الكتاب والسنة، والله المستعان.