في طبعة فاخرة بلغت صفحاتها 176 صفحة من الحجم الكبير صدر مؤخرًا جديد الشاعر التونسي يوسف رزوقة حاملاً عنوان “أرض المجاز” سلسلة صياغة المستقبل، جامعًا فيه قصص قصيرة، ورواية وشعرًا للأطفال واليافعين. في هذا الإصدار تجد قرية الإنسان القادم يحكمها طفل وفراشة وتدور أحداثها في “إشراقيا الكبرى” (مجمل العواصم العربية) من خلال رحلات مكوكية يقوم بها بطل الرواية رفقة الفراشة فرفلاّ، تسبق الرواية اثنتا عشرة قصة قصيرة بعنوان «هذا زماني»، جاءت محلاّة برسوم الفنّانة المكسيكية عايدة إيمارت ويلي الرواية كتاب ثالث هو «مدينة ضاد» وهي عبارة عن رحلة حروف الهجاء خلف الخاتم الضائع، يليه كتاب رابع بعنوان «باب النشيد» أو أناشيد في حبّ الأوطان يشمل نشيد بغداد ونشيد عمّان نشيد فلسطين ونشيد اليمن ونشيد السعودية ونشيد دمشق ونشيد الإمارات ونشيد مصر ونشيد تونس ونشيد جزر القمر وجيبوتي والكويت والصومال والجزائر والسودان والمغرب والبحرين وموريتانيا وليبيا والمغرب الأقصى، يليه كتاب خامس هو الكتاب الأبيض وبه صفحات بيضاء لقراء «أرض المجاز» أطفالا ويافعين كي يتركوا هنا (في باب رجع الصدى) ما يعنّ لهم من تقييدات وخواطر وما إلى ذلك. فعن ظروف إنجاز العدد الأول لهذه السلسلة يقول يوسف رزوقة عن هذا الإصدار، في فقرة مثبتة على الغلاف الخلفيّ للكتاب: لِهَذِهِ القِصَّةِ قِصَّةٌ: أَهْدَيْتُ طِفْلاً، بِمُنَاسَبَةِ نَجَاحِهِ فِي امْتِحَانَاتِ آخِِرِ السَّنَةِ،كِتَابًا لِي بِعُنْوَانِ « وطارت البرتقالة». لَمْ يَمْضِ أُسْبُوعٌ وَاحِدٌ حَتّى زَارَنِي، مَعَ وَالِدَيْهِ، فِي مَكْتَبِي بِجَرِيدَةِ «الصَّحَافَةِ»، حَيْثُ أَعْمَلُ، لِيَسْأَلَنِي: عَمِّي، هَلْ بِإِمْكَانِكَ أَنْ تَكْتُبَ لَنَا قِصَّةً تَحْكِي تَارِيخَنَا وَمَآثِرَهُ وَلاَ تَجْعَلُنَا نَطِيرُ مَعَ «الخَيَالِ العِلْمِيِّ» كَمَا فَعَلْتَ فِي قِصَّتِكَ الَّتِي أَهْدَيْتَنِيهَا، مَشْكُورًا؟ بِقَدْرِ مَا صَدَمَنِي سُؤَالُهُ، أَفْرَحَنِي. لَقَدْ أَسْعَدَنِي أَنْ يَصْدُرَ ذَلِكَ عَنْهُ لِيُغَيِّرَ مَا بِنَفْسِي فَيُسَاهِمَ مَعِي فِي صِيَاغَة ِرُؤْيَةً عَنْ مُسْتَقْبَلٍ يَهُمُّهُ بِقَدْرِ مَا يَهُمُّنِي. وَمِنْ يَوْمِهَا وَأَنَا أُفَكِّرُ فِي قِصَّةٍ تُرْضِي غُرُورَ قَارِئِي هَذَا، بِوَصْفِهِ شَرِيكًا لِي، عَنْ بُعْدٍ، لاَ غِنًى عَنْهُ. وَمَرَّتْ سَنَوَاتٌ عَشْرٌ أَنْجَزْتُ فِيهَا كُتُبًا أُخْرَى لِغَيْرِ الأَطْفَالِ وَإِنْ وَاصَلْتُ الاحْتِكَاكَ بِهِمْ مَيْدَانِيًّا عَبْرَ الأَثِيرِ مِنْ خِلاَلِ بِرْنَامَجِ «عُيُونِ الطُّفُولَةِ» أَوْ مِنْ خِلاَلِ وَرْشَاتِ الكِتَابَةِ حَيْثُ أَنْجَزْنَا مِنَ الأَغَانِي وَالأَنَاشِيدِ مَا كَوَّنَ مَادَّةً خِصْبَةً لِقُرْصٍ مُدْمَجٍ بِعُنْوَانِ» صَبَاحَ الخَيْرِ يَا وَطَنِي»، مَرَّتْ إِذَنْ سَنَوَاتٌ لِأُفَاجَأَ يَوْمًا بِالطِّفْلِ نَفْسِه، وَقَدْ أَصْبَحَ مِنَ الأُدَبَاءِ اليَافِعِينَ، يَزُورُنِي فِي «الأَرْبَعَاءِ الأَدَبِيِّ»، النَّادِي الَّذِي أُشْرِفُ عَلَيْهِ، مُنْذُ عِشْرِينَ عَامًا بِتُونُسِ العًتِيقَةِ، زَارَنِي لِيَسْأَلَنِي: عُذْرًا، أُذَكِّرُكَ أُسْتَاذِي بِمَا وَعَدْتَنِي بِهِ ذَاتَ يَوْمٍ؟ أَعْنِي تِلْكَ القِصَّةَ الَّتِي تَحْلُمُ بِكِتَابَتِهَا، أُجَدِّدُ طَلَبِي، عَلَى أَنْ تَكْتُبَهَا، هَذِهِ المَرَّةَ، بِلِسَانَيْنِ اثْنَيْنِ، بِلِسَانِ الطِّفْلِ الَّذِي كُنْتُهُ وَبِلِسَانِ الطِّفْلِ الَّذِي صِرْتُهُ. يَوْمَهَا، لَمْ أَقُلْ لِسَائِلِي شَيْئًا، اعْتَرَانِي السُّهُومُ وَقَرَّرْتُ فَي قَرَارَةِ نَفْسِي أَنْ أَفِي بِوَعْد أَجَّلْتُهُ سَنَوَاتٍ، عَلَى أَنْ أُهْدِيَهُ النُّسْخَةَ الأُولَى مِنْ قِصَّتِي هَذِهِ، تَكْفِيرًا مِنِّي عَنْ تَقْصِيرٍ صَادِرٍ عَنِّي وَأَوَّلُ مَا فَعَلْتُهُ، وَأَنَا أَعُودُ إِلَى البَيْتِ يَوْمَهَا، حَمَلْتُ سِيرِينَ، حَفِيدَتِي بَيْنَ ذِرَاعَيَّ، وَاعِدًا إِيِّاهَا أَيْضًا بِهَدِيَّةٍ مَّا، فِي عِيدِ مِيلاَدِهَا فَكَانَ هَذَا الكِتَابُ. صياغة المستقبل ويمضي رزوقة في حديثه ملقيًا مزيدًا من الضوء على مشروعه المفتوح على المستقبل وآليات تحقيقه مضيفًا بقوله: باختصار، هذه الرّواية أخذت منّي وقتًا عكس ما تأخذه كتابتي للكبار. لكلّ كلمة في هذه الرّواية معنى يبرّر وجودها. فمنذ البداية، كان طموحي أن أحكي للأطفال واليافعين حكاية، هي عبارة عن كيمياء من الألوان، حتّى إذا قرؤوها، حرّكت فيهم سواكن وأثرت زادهم، على نحو لا يلغي مدى قدرتهم على استيعاب ما يكتب لهم وفكّ رموزه ومن هنا، لم أرد أن أكتب رواية بسرعة البرق كما يريدها عادة البعض من ناشري الكتب الموجّهة لأمثالهم بل أخذت وقتي وجمّعت من المراجع والمعلومات ما جعلني أحار أحيانًا في توظيفها، لسبب أو لآخر. وكان لي اشتغال، ضمن ورشات اختصاص، على بسيكولوجيّة العالم الطّفوليّ وانتظاراته العاجلة والآجلة من صنّاع الكلمة، ولم أقف عند هذا الحدّ، بل سافرت إلى بعض المواقع المشار إليها في هذا الكتاب حتّى أنقل إليهم بصدق ما رأيت على عين المكان وارتأيت، وأنا أتوغّل في تفاصيل الرّواية، أن أراوح بين الفنون جميعها، فلم أقتصر على السّرد، بل طعّمته بنصوص شعرّية لي رأيتها تخدم السياق واعتبرت ذلك ترجمة وانتصارًا لمقولة «الشّعر ديوان العرب»، كما حاولت، قدر المستطاع، توظيف ما لدى الفنون الأخرى كالمسرح والسينما والفنون التشكيلية من تقنيّات رأيتها مفيدة، إلى جانب الإفادة من العلوم. كلّ هذا، من أجل تحقيق بعض جدوى ينشدها، بلا شكّ، قرّاء اليوم أمثالهم، فهم من طينة خاصّة جدّا وعلى أيّ مؤلّف في هذا المجال، أن يخوض مع مجتمع الأطفال واليافعين الحيرة اللازمة لصياغة مستقبل يلبّي تطلّعاتهم، كلمة ورؤية وخيالاً.. فهل حقّقت هذه الرّواية المنشود منها؟ نرجو ذلك ونترك التقييم لقرّاء هذا العمل ونقّاده. ويواصل رزوقة حديثه قائلاً: »أرض المجاز» ما هي إلاّ عمل أدبيّ أردناه مرآة عاكسة لعالمنا العربيّ وما هذا الجزء الأوّل إلاّ أوّل غيث ولبنة أولى في سلسلة روايات مماثلة حول قارّات العالم، نرجو أن تلهمنا الأيّام القادمة نفسًا طويلاً وصبرًا نواصل بهما الطّريق. لقد قلت على لسان قرّاء هذا الكتاب: نَحْنُ المُسْتَقْبَلُ فِي سَهْمٍ مِنْ كَفِّ الحَاضِرِ يَنْطَلِقُ وَالحَاضِرُ فِي سَهْمٍ ثَانٍ مِنْ كَفِّ المَاضِي يَنْطَلِقُ وَالمَاضِي؟ مَا سَنَرَاهُ غَدًا فِي سَهْمٍ، مِنَّا يَنْطَلِقُ نَحْنُ المُسْتَقْبَلُ وَالمَاضِي نَحْنُ المُسْتَقْبَلُ فَانْطَلِقُوا ومن ثمّة، فإنّ ما يهمّنا أساسا في هذا المشروع هو المستقبل، دون تجاهل ماضينا والواقع الذي نعيش. طفولة الألفيّة الثّالثة وعن نهجه في هذا الكتاب وأسلوبه المتّبع في الكتابة لهذه الفئة العمرّية من القرّاء، أفادنا المؤلّف بأنّه: «لا يكفي أن تكون الكتابة للأطفال سهلة وممتنعة، فهذا من بدائه الأمور وشروط التبليغ؛ بل عليها أيضًا أن تكون هادفة وذات محمول فكري، جديد غير مستنسخ بأي شكل من الأشكال، من تجارب السابقين والمتقدمين في التجربة وإن صهرت في تلافيفها عناصر مضيئة من تراث الأجداد. ذلك أن أطفالنا في هذه الألفية الثالثة، بما تنطوي عليه من زخم معلوماتيّ هائل في حاجة ملحّة إلى مرايا غير صدئة عاكسة لتطلعات أطفالنا الذين لم تعد تهمهم كثيرًا خرافات رأس الغول وما إليها، على خلفية أن العصر عصر علم وتكنولوجيا وثورة عاصفة بما هو شطح غيبي أو خرافي تجاوزه وعي القراء من أطفالنا، ذوي المفاتيح المعرفية الجديدة والمضامين الفكرية المشفرة”.