في جلسةٍ زنجبيليّةِ المَذَاق، صَهباء الطَّعمِ، كانت المعرفةُ تفصلُ ما بيني وبين المُثقَّفِ الجادِّ؛ والقارئِ الحَادِّ «يوسف العجاجي»، ولا غرابة، فليس الصبرُ وحده له حدود، بل حتَّى معرفة الأفراد وعلومهم لها حدود، رغم أنَّ «العِلْمَ بَحرٌ»؛ إلاَّ أنَّ المرء يبقى في دائرة الجهل، لأنَّه لم يُعطَ مِن العِلْم إلاَّ قليلاً! في تلك الجلسة، أشاح الأستاذ «يوسف» -صديقي الجديد- عن عِلْمه، فيما كشف مساحة جهلي.. وما أكثر الجُهلاء ممَّن يدّعون العِلْم؛ مِن الأدباء والعلماء! في تلك الجلسة، تحدَّثنا كثيرًا، بل «يوسف» يتكلَّم وأنا كُلِّي -وليس بعضي- آذانٌ صاغيةٌ، وأفواهٌ صامتةٌ! كان «يوسف» يتحدَّثُ عن المُفكِّر المصري الدّكتور «غالي شكري»، ذلكم الباحث الرَّشيق والواعي العميق، الذي حصل على الدّكتوراة مِن جامعة السّربون؛ مِن خلال رسالةٍ أشرف عليها العَالِم «جاك بيرك»، وكان موضوعها: «النَّهضة والسّقوط في الفكر المصري الحديث»، رغم التَّحفُّظ الشَّديد على كلمة «الفِكر المصري»، الذي سيقودنا إلى تسميّات مثل: «الفِكْر الهندي»، و«الفِكْر الفلبيني»، و«الفِكْر الصُّومالي»! وللأمانة، فإن أستاذنا «يوسف» نبّهني إلى جهود الدّكتور «غالي شكري»، التي قرأتُ شيئًا منها أيَّام «زمان»، عندما كان الوقت يسمح بشراء الكُتب وقراءتها، والحماس يُشعل الزَّوايا! في تلك الجلسة، أرشدني «يوسف» ليس إلى «الأسهم النّقيّة»، أو «نقاط الدَّعم» و«مناطق المقاومة» -بوصفه عَالِمًا في الاقتصاد-، بل أرشدني إلى بعض كُتب الدّكتور «غالي شكري»؛ التي يجب على المرء أن يُعيد قراءتها.. ومنها على سبيل المثال: (كتاب «ثقافتنا بين نعم ولا»، وهو مجموعة مقالات تُؤرِّخ لمرحلة حسَّاسة؛ مِن تاريخ مصر والعَالَم العربي.. وكتاب «مِن الأرشيف السِّري للثقافة المصريّة»، وهو مجموعة فضائح ثقافيّة ستُدهش القارئ قبل غيره.. وكتاب «البجعة تودّع الصيّاد»، وهو مجموعة مقالات كتبها الدّكتور «غالي شكري»؛ عندما ترك باريس.. وهكذا يُشير إلى العنوان؛ إذا صح أن يُقرأ الكِتاب مِن عنوانه.. وآخر هذه الكُتب، كتاب: «إنَّهم يرقصون ليلة رأس السَّنة»، وهو مجموعة مقالات عن المجتمع الغربي والعربي! هكذا كانت الجلسة مع الأستاذ القدير؛ والمُثقَّف الغزير «يوسف العجاجي» في لندن، حيث تأخذ الكلمة بُعدها الكامل، وتصل الجملة إلى نطاقها الشَّامل، هذا ما يُمكن أن يقوله «عَامِل مَعرفة» كسول مثلي، ويكفي أنَّه عَامِل!.