الأزمة المالية أو الهزة المالية التي وقعت في دبي مؤخرًا، هي هزة زلزالية مالية خفيفة بقوة أربع درجات على مقياس ريختر، وعلى الرغم من أن هزة بمثل هذه القوة لا توقع ضررًا جسيمًا في مركزها أو حولها، إلاّ أنها أحدثت الكثير من الجلبة، وأفزعت العديد من الدوائر الاقتصادية في عالمنا، تلك الدوائر التي أصبح لديها ما يشبه (الفوبيا) من أي حركة أو موجة، حتى وإن كانت عابرة، تداعب خياشيم بنوكها التي بالكاد أخرجت رأسها من حطام أزمة مالية عالمية عاصفة وقاصفة. نعم هي أزمة في ديار العرب، وليست في منهاتن، خفيفة جدًا قياسًا بالأزمة التي انطلقت من قارة أخرى، بيننا وبينها قارة كاملة، ولكنها تظل أزمة على كل حال، ويجب أن نأخذها بعين الاعتبار، وأن نخضع جينها وخصائصها للفحص والتدبر، فلقد وضعتنا أزمة دبي أمام تساؤل مهم على الصعيدين الاقتصادي والإستراتيجي التنموي، الأمر الذي يفرض علينا إعادة التفكير مليًّا في خطط التنمية المتبعة في منطقتنا الخليجية بصورة شاملة، هذه المنطقة المهمة، والتي تمثل مستودع الطاقة العالمية، باستحواذها على ثلثي الإنتاج العالمي من النفط، المحرك الرئيس لاقتصاد العالم حتى إشعار آخر، والسؤال هو: هل التنمية التي انطلقت في دولنا الست بتواريخ متفاوتة منذ انفجار النفط، هل وضعت الإنسان أولاً وبإستراتيجية واضحة قبل (الكونكريت)، وناطحات السحاب؟ أم أننا بدأنا ببناء هرم التنمية مقلوبًا؟ لا شك أن سؤالاً كهذا والذي أطل برأسه كالمارد من دوي انفجار غير متوقع لأزمة دبي المالية، هو تساؤل مهم، ينبغي أن تسعى دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة للإجابة عليه بشفافية، وبوعي جماعي، واستشعار عصبة متماسكة ومدركة بأن الخطر يعنى الجميع، وأنه ليس عند الجار أو بعيدًا عن الدار، فالعالم اليوم قرية، والآن كل أهل القرية في قارب واحد. مرة أخرى نحن لسنا من هواة جلد الذات، ولكن لا خير فينا إن لم نقلها، فالسكوت خيانة للدِّين، ثم المليك والوطن، ولقد تعلّمنا من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- شجاعة المبادرة، وشفافية القائد مع الرعية، ولذلك نقول: إن الإنسان في هذه المنطقة ما يزال أقصر قامة من هذه البنايات العالية الأنيقة، وأنه ما يزال هشًّا، يجيد استهلاك الحضارة، ولا يساهم في إنتاجها، ورغم أن من أبنائنا هنا وهناك، مَن ساهم مساهمة بارزة ومميزة في حضارة اليوم، إلاّ أن ذلك لم يكن بحجم ما تم إنفاقه في جميع خطط التنمية التي لا يزال شعارها “الإنسان أولاً”. أما وقد انطلقت (كاوست)، بمبادرة واعية وشجاعة من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- فتلك أولى الإجابات عن سؤالنا ذاك، ومن زعيم لدولة قائدة لمجلس التعاون الخليجي، وهو بالقطع إدراك واضح وكامل للمسألة، وخطوة مسؤولة من ملك حصيف، وحكيم يدرك أن الإنسان هو الأهم في جميع خطط الإصلاح والبناء، وأنه ما يزال أقصر قامة من كل ما أُنجز، ويجب أن يطول. نافذة: زراعة العقول هي أفضل طريقة لمكافحة التصحر وحماية البيئة.