اليوم.. نجد أنفسنا في حال لا نحسد عليها.. إذ انقلبت موازين الأخلاق.. وما كان مرفوضاً أصبح مقبولاً.. وما كان عيباً وعاراً أصبح شرفاً فسقطت أخلاقيات كثيرة وانتحر الحياء أمام الملأ يبدو أن الأزمات تكالبت علينا فبعد أزمة ارتفاع الأسعار والأسهم ثم المساهمات العقارية الوهمية نصباً وأكلاً لأموال الناس بالباطل... نجدنا كل يوم إزاء أزمة وأخرى لأن الأمر متعلق أصلاً بالأزمة الكبرى وهي أزمة الضمير.. والأخلاق يقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء) وقال عليه السلام: (إن أحبكم إلى الله وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً).. لكن البعض يتغافل عن هذا التوجيه فنحن في زمن الهجوم على الأخلاق الفاضلة والقيم السامية لأننا نفتن في أخلاقياتنا كل لحظة ونمتحن فيها كل آن.. فهو زمن التعرّي في كل شيء بدءاً من الملابس ومروراً بالعادات الجميلة والقيم الجليلة والمفاهيم المثالية ووصولاً إلى التعرّي من الأخلاق! رغم أن الخلق العظيم يعد من أهم القيم والمقومات الحضارية..لأنه السبيل إلى الصلاح والرقي وحسن التعاشر مع الناس وبناء المجتمع والأمة وما كان انهيار الأمم والحضارات عبر التاريخ نابعاً إلاّ من انهيار أخلاقهم. وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا فالأخلاق الحسنة ليست ترفاً ولا رفاهية بل هي القلب النابض للحياة والدين.. وليس أدّل على أهميتها من قول النبي عليه الصلاة والسلام «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».. إذ حصر عليه السلام غاية رسالته في إتمام مكارم الأخلاق التي عرف بها العرب وكانت تاج تفاخرهم وسيادتهم وشموخهم... فعرب الجاهلية رغم وثنيتهم ورغم حياتهم القائمة على السيئات والمحرمات إلاّ أنهم عرفوا بأعظم الأخلاق وأنبلها..فالشهامة والنبل والمروءة وغيرها لها مكانها السامي في حياتهم.. فقد كانوا يحترمون ذا المروءة ويحتقرون اللؤم واللئيم. واليوم.. نجد أنفسنا في حال لا نحسد عليها.. إذ انقلبت موازين الأخلاق.. وما كان مرفوضاً أصبح مقبولاً.. وما كان عيباً وعاراً أصبح شرفاً فسقطت أخلاقيات كثيرة وانتحر الحياء أمام الملأ وأصبح القانون السائد إذا لم تستح فاصنع ما شئت فأصبحنا نرى تصرفات وسلوكيات وأقوالاً ونماذج من البشر نُزع الحياء منهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ولا يدرون أولئك النفر أن ذلك هو قمة سخط الله ومنتهى غضبه فقد روى أنه إذا أراد الله بعبد سوءًا نزع منه الحياء ونحن -مع الأسف- نعيش زمناً صار الحياء فيه موضة قديمة وحلية أصحاب العصور الغابرة فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذ ذهب الحياء والكارثة الكبرى تكمن في أن غالبية النشء اليوم لم يُربوّا على الحياء ولم تغرس فيهم الأخلاق النبيلة يترجم ذلك ما نراه في الشوارع والأسواق والمدارس التي غفلت أيضاً عن دورها وجعلت همها الأكبر تلقين الطالب العلوم دون أن تؤدي واجبها التربوي والتوعوي ودورها في تقويم السلوك ناهيك عن الفضائيات. فدرج هذا الطفل والناشئ على سلوكيات مجردة من كل خلق وحياء فأخذ يكلم الكبير بلا توقير ويعامل الصغير بلا عطف ويجادل والديه ويقاطع الحديث ولا يعطي الطريق حقه ولا يغض بصره ولا يصدق في القول ولا يحترم معلماً ولا يعطف على فقير أو خادم ولا يتلفظ إلا بالقول الفاحش البذيء ولا يعرف للحلم سبيلاً ولا يكظم غيظه فالشدة في نظره في الصرعة والغضب لا في ضبط النفس عنهما ولا يتسع المجال أكثر لتعرية سقطات أخلاقياتنا وانهيار أبراجها العالية لكن ربما نجد في حياتنا متسعاً للاهتمام بالأخلاق وغرسها في نفوسنا ونفوس النشء. دوحة الشعر: وإذا رزقت خليقة محمودة فقد اصطفاك مقسم الأرزاق