كانت دبي تمثل الواجهة والبريق ورغد العيش بالنسبة للكثيرين. فالمباني هناك هي الأفخم والأحدث والأطول على مستوى المنطقة. ورغم ندرة المياه في الإمارة فإنها بدت كمدينة تسبح فوق أنهار من العسل. ولم يكن قادة الإمارة المدينة ولا السائحون ولا المستثمرون الذين يتدفقون عليها بحثا عن النجاح والثروة يتوقعون من المستقبل سوى الأفضل” وقفزت سوق العقارات في دبي مع ارتفاع أبراجها السكنية والإدارية لتصبح الأعلى في العالم حيث يساهم السوق بنحو ربع إجمالي النمو الاقتصادي للإمارة. ولكن ورغم بقاء الأبراج شاهقة الا ان بعضها ظل غير مكتمل تكتنف الشكوك مستقبله من ناحيته قال خبير في اقتصادات الأسواق الصاعدة بأحد البنوك الأوروبية الكبرى لوكالة الأنباء الألمانية طالبا عدم الكشف عن هويته : "كنت أعرف أن هناك فقاعة عقارية .. لكن المنطقة غنية بالنفط وغنية بالسيولة النقدية لذلك فإن مدى المشكلات التي ظهرت كان مفاجأة". أما الصدمة الأخرى بالنسبة للبعض على الأقل فجاءت من إعلان حكومة دبي أنها لن تضمن ديون الشركات التابعة لها. فالعديد من المستثمرين كانوا ينظرون إلى الاستثمار في الشركات المملوكة لحكومة دبي باعتباره استثمارا مضمونا مثل الاستثمار في سندات الخزانة الحكومية وفي نفس الوقت يحقق أرباحا خيالية. كانت مجموعة دبي العالمية المملوكة لإمارة دبي قد أعلنت في 25 وفمبر الماضي أنها تحتاج إلى وقف سداد أقساط الديون المستحقة عليها لمدة ستة أشهر مما سبب قلقا كبيرا في أسواق المال الإقليمية والدولية. كما أن قلة وبطء تدفق المعلومات الخاصة برد فعل دبي على الأزمة أدى إلى زيادة احساس المستثمرين بالقلق. ولكن البيانات التي صدرت بعد ذلك سواء من حكومة دبي أو من حكومة إمارة أبوظبي الأغنى بين إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة أعادت قدرا من الهدوء إلى الأسواق. ورغم ذلك فربما ينظر بعض المستثمرين الي رؤية حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الهادئة بمزيد من الحذر بعد أن يتذكروا كيف كان يتحدث عن أمان ديون دبي خلال مشاركته في احد منتديات بنك ميرل لينش قبل أسابيع قليلة من تفجر الأزمة المالية في إمارته. يقول مهدي مطر كبير خبراء الاقتصاد في شركة شعاع لإدارة الأصول ومقرها دبي على المدى القصير لايزال المستثمرون يشعرون بالقلق والخوف.. فنحن في قلب الأزمة الآن. وأضاف أنه بمرور الوقت وبمجرد أن يهدأ غبار أزمة دبي العالمية فسوف تؤدي الأزمة إلى تغييرات مالية وتقود إلى نمو أكثر استدامة. وفي إطار هذه التغييرات في النظام المالي والاقتصادي للإمارات بعد الأزمة تتحدث التقارير عن قوانين جديدة لإفلاس الشركات وهي نتيجة نهائية لما يحدث عندما تشهر شركة إفلاسها أو تتخذ قرارا بتصفية اعمالها. وكان غياب مثل هذه القوانين قد دفع بعض المصرفيين إلى وصف الإمارات الخليجية بأنها مراكز مالية "غير ناضجة" يقول مطر إنه يعتقد أن الأزمة سوف تساعد علي نضح دبي لآن الطريقة الوحيدة للتحرك في الاتجاه الصحيح هو أن تظهر لديك مشكلة ثم تقوم بتصحيح الأخطاء . من ناحيته قال جون سفاكياناكيس كبير خبراء الاقتصاد في بنك بي.إس.إف-كريدي أجريكول إنه مع إعادة هيكلة الديون المتراكمة على دبي في المدى المتوسط ومع خطة المساعدة المالية من إمارة أبوظبي هدأت المخاوف الآنية للمستثمرين بشأن دعم الدولة لشركات دبي المتعثرة فلن يتبق سوى خدوش بسيطة على السطح بالنسبة لأزمة ديون إمارة دبي" ويتفق أغلب المحللين على أنه تم منع الانهيار الكامل للنظام المالي في الخليج وأن أي مفاجآت سيحملها عام 2010 يمكن احتواؤها. في الوقت نفسه فإن انتقال إمارة دبي من نمو الفقاعة إلى النمو الاقتصادي الحقيقي المستدام قد يستغرق أعواما ولكن أحد كبار المصرفيين فضّل توخي الحذر وقال: إنه لا يريد التنبوء بما يمكن أن يحدث العام المقبل لآن الموقف يظل غامضا للغاية في الوقت الراهن. والحقيقة ان القطاع العقاري الذي كان مصدرا رئيسيا لأرباح إمارة دبي يبدو ممزقا الآن حيث توقفت العديد من المشروعات وتم تسريح أعداد كبيرة من العاملين فيه. وأدى تأثير نظرية الأواني المستطرقة إلى إغلاق شركات أخرى وعودة آلاف الأجانب إلى بلادهم تاركين الديون وراءهم .وفي حين يتوقع خبراء المزيد من مشكلات الديون بالنسبة لدبي في السنوات المقبلة فإن مشروعات البنية الأساسية القوية التي نفذتها الإمارة يمكن أن تجعل منها مركزا نشطا للنقل التجاري في المنطقة وبالتالي تستفيد من أي نمو قوي لاقتصادات المنطقة ككل. الخلاصة أنه إذا كان عام 2009 انتهى بعاصفة مجموعة دبي العالمية فإن العالم يترقب خلال عام 2010 كيفية وقوف دولة الامارات العربية المتحدة فى وجه هذه العاصفة وما اذا كانت نتيجة ذلك ستتمخض عن سوق اكثر نضجا فى منطقة الخليج .