أثبتت التجربة أن اللجوء إلى القضاء في تتبع مجرمي الحرب والاقتصاص منهم، يعتبر وسيلة فعّالة وناجحة منذ إنشاء محاكمة نورمبرج لمحاكمة النازيين المسؤولين عن مذابح الهولوكوست، التي استهدفت يهود أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، كما أثبتت التجربة أيضًا أن الشعوب لا تنسى الجرائم التي تُرتكب في حق أبنائها مهما طال الزمن، وهو ما أمكن رصده خلال أول زيارة رسمية قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيجن إلى لندن، في بداية الثمانينيات عندما استقبلته جموع المتظاهرين بلافتات ترفع صورته موصومة بكلمة «مطلوب للعدالة»؛ بسبب عمليات القتل التي قامت بها منظمته الإرهابية ضد الجنود البريطانيين خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين؛ لدفع بريطانيا إلى الانسحاب حتى يتسنّى لعصابته الإعلان عن قيام دولة إسرائيل. وإذا كان من المتعارف عليه في أساسيات القانون الدولي أن جرائم الحرب ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، فإنه ينتظر من الفلسطينيين على المستويين الرسمي والشعبي الارتكاز على هذه القاعدة الذهبية لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين المسؤولين عن المذابح التي استهدفت الشعب الفلسطيني بدءًا من مذبحة دير ياسين عام 1948م حتى مذبحة غزة التي تواصلت العام الماضي عبر 22 يومًا من القصف البري والجوي والبحري البربري على مدن وقرى ومخيمات القطاع باستخدام كافة أنواع الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة المحرمة دوليًا مثل القنابل الفوسفورية وفق ما تضمنه تقرير جولدستون، ممّا أدى إلى سقوط 1400 قتيل غالبيتهم من النساء والأطفال، وتدمير آلاف المباني شاملاً ذلك المنازل والمساجد والمدارس والمستشفيات التي يتّعذر إعادة بنائها حتى الآن بسبب الحصار الظالم الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ نحو ثلاثة أعوام. إصدار إحدى المحاكم البريطانية مذكرة اعتقال في حق وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني بسبب مسؤوليتها عن حرب غزة، يوفر الفرصة أمام الجهات الفلسطينية المعنية لتفعيل هذا النوع من النضال الذي لا يستطيع أي فصيل فلسطيني الاختلاف حول جدواه، لا سيما إذا تمكن الفلسطينيون من توسيع نطاق الحملة القضائية في تتبع مجرمي الحرب الإسرائيليين، ممّن ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في حق الشعب الفلسطيني، والتطلع نحو إنشاء نورمبرج جديدة لملاحقة النازيين الجدد.