تيقن بأن لك عدواً وهو دائم جاهز للانقضاض عليك، وأظنك تعرفه الآن.. هو إما: عيونك أو أوهامك أو خيالاتك أو أنت، فليس هناك على ما أظن عدو لك خارج هذه الخيارات تفكر فيه قبل أن تنام.. تشتمه أين ما كان.. يحتل أوقات فراغك وشغلك.. تجد خياله عن يمينك وشمالك، فلا تحس بالضجر والوحدة.. تنسى مرارة الحياة، لأن هناك من يترصدك وتترصده.. فأنت مشغول بحكم وهم الاستعداء للبحث عن تبرير وتسويغ كل كلمة أو عمل أو اشاعة سمعتها عنه.. بأنك محق في عداوته.. يغويك في فتح ملفات قديمة وجديدة في ذاكرتك،تملؤها برزاياه ومزاياك.. تفتح الشاحن النفسي على أقصى درجة ليتم تعبئة خواطرك وساعات يومك بأن عدوك لا يفتأ يخطط ضدك.. وأنه في كل ثواني حياته، لا هم له إلا أنت، وحياتك ومشاريعك وربك وعقيدتك وسيارتك وطعامك ولباسك ونجاحك. ما أجمل أن يكون لك عدو تفرغ فيه احتقاناتك.. وتجعله شماعة إخفاقاتك وسقطاتك وهفواتك.. وتمضي معه الساعات يحتمل غضبك وزعلك.. لا تمر بشارع إلا وتراه أمامك.. ولا تدخل محلاً إلا وهو ينتظرك.. ولا تقابل أحداً إلا وهو معك كظلك، ولا تقرأ كتاباً إلا وهو بين السطور يفتش عنك.. هنا ستنسى أنك فشلت ذات مره، وتوهمت مرات، من أين لك بمثل هذا العدو الذي يغير حياتك، فتلك متعة عض عليها بنواجذك، فكثيرون غيرك يتمنون أن يكون لهم أعداء وأنت الوحيد المتميز الذي خلقت عدوك بنفسك. كيف نسمح للمشاعر والأفكار السلبية (التي ليس لها أساس في الواقع) أن تتملكنا وتتلبسنا، كيف نسمح أن تظل مسببة معاناتنا التي لا تنتهي إلا بانتهائها، ونحن قادرون على التخلص منها ولا نفعل بإرادتنا ومسؤوليتنا؟ من يقضى عمره يشتم الحظ العاثر، والعدو المتوَهم، مريض الوسواس القهري يعي زيف الفكرة التي تسيطر عليه ولا يستطيع التخلص منها، الإحباطات الناتجة عن فشل أو احتمالية فشل الإدعاءات تستثير العدوان لدى طرفي الصراع، وكمحاولة لإحباط وإفشال أوهام أو أحلام الآخر نستبق ونمارس العدوان، استباق ممارسة العدوان خطأ منطقي، ولا أخلاقي ولا ديني. ولا يجوز إنسانيا. يقول البعض أنهم يحصلون على مشاعر حقيقية أكثر في حالات الوهم والخيال عنها في الواقع، قد تكون الحياة والمعيشة في تصور المستقبل أو في خيال الماضي أقل إشباعا من أن تعيش في الحاضر، لكنها لا يمكن أن تكون مثله في التحرر من الوهم، فالواقع لا يمكن أن يكون ما كان أو ما سوف يكون، ففي البحث عن شيء خارج الزمن، يوجد إحساس واهن باللا جدوى واللا أمل، ويكون من المرض عند هذا الحد أن يتواطأ الآخر مع الإدعاءات والأوهام، وعلى وجه الخصوص يخاف الشخص ويغضب عندما يكتشف أن الآخر ليس تجسيدا للنموذج الذي عليه خيالاته والتي هي من طرفه هو. المعيشة بهذا الشكل تعرض الشخص ليس فقط للتوهم ولكن أيضا إلى خيبة الأمل المتكررة، بعض الناس لديه كتالوج للبُغَضاء ممن حوله، فهذا ثقيل دم وروح وطينه، وذاك فارغ الإحساس، والآخر ثرثار، ورابع كثير الشكاية، وهكذا كل من حوله مليئون بالعيوب والرزايا إلا هو، فيتخذ قرار الانزواء والابتعاد وينسى ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها، لكن اضطراب عدم الرضا بسبب الخيال «المجرد» قد يجعل الشخص اعتماديا على الآخرين بأمل أن يتلبسوا خياله ويساعدوه على التملص من الأوجه الشريرة والمخيفة في خياله، لابد من معرفة المخاطر الاجتماعية عند أخذ إجازة من الواقع الاجتماعي، وهو الغياب القسري بسبب الأوهام الذاتية. وفي حالة التوهم أنت لا تستطيع، لا تقدر، لا تتجاسر، أن تفقد عدوك من خيالك لحظة واحدة، وهل يستطيع أن ينفك مريض الوهم من أوهامه، إذا كانت من صُنعه وبرمجته الذهنية، هكذا تحلو لك كطعم العسل كل كشف لمؤامرة، ولو كانت ضد غيرك، لأنك ترى العالم بأوهامك لا بعيونك. لذلك لا تشك أبداً، بل تيقن بأن لك عدواً وهو دائم جاهز للانقضاض عليك، فقط عليك أن تعرف من هو، وأظنك تعرفه الآن.. هو إما: عيونك أو أوهامك أو خيالاتك أو أنت، فليس هناك على ما أظن عدو لك خارج هذه الخيارات.. طابت حياتك بأعداء من صناعتك .