* كشفت (فاجعة) جدة الأخيرة عن عقليات مجتمعية غريبة جداً في منطقها وأحاديثها. فبعض زملائنا الكتَّاب أصلحهم الله، وفي أكثر من صحيفة أرادوا إفهامنا ككتَّاب وكمجتمع بضرورة الحكمة والتعَّقل في تناول إشكاليات وجزئيات مسببات الفاجعة. وهمز بعضهم ولمز ولمَّح إلى أن بعض ما يُكتب إنما هو تصفية حسابات، وأنه لا مسؤولية على هذه الجهة أو تلك سوى أنَّ الأمطار كانت غزيرة، والسيول مفاجئة، والسكان هداهم الله سكنوا في مناطق عشوائية وفي مجاري السيول. * وإن تجاوزنا هكذا (تسطيح) من زملائنا الكتَّاب لمعرفتنا بما وراء الأكمة فلا أدري بحق كيف أصف بعض التصريحات لأشخاص هم في مواقع مسؤولية وأداء مباشر مع كل الأجهزة الحكومية المعنية بالكارثة. ففي تصريح لرئيس المجلس البلدي في جدة حسين باعقيل لصحيفة «المدينة» في عددها الصادر الثلاثاء الماضي يقول لا فض فوه: «ما حدث في مدينة جدة أكبر من إمكانيات كل الأجهزة فالمساحة المتضررة كبيرة ولا يمكن أن تعمل في موقع واحد». * تعجبي من قوله (كل) التي تدلل على عقلية ربما تعيش واقعاً غير الذي نعرفه فكل تعني لا استثناء، وهو مثار استغراب كبير فالدولة رعاها الله وفرت من الإمكانيات المالية والأجهزة والآليات ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت لكل من أمانة محافظة جدة والدفاع المدني. كما أن بإمكان هذه الأجهزة الاستعانة والاستفادة من الشركات الوطنية المخلصة والنزيهة التي تبرعت للمساعدة في إنهاء نتائج الفاجعة في أقل وقت ممكن. وأُذكَّر رئيس المجلس بأن الصحف نشرت مبادرة مؤسستي بن لادن وسليم الحربي المساهمة مع أمانة جدة في رفع الأنقاض وفتح الطرق وتهيئة الأحياء. * وكما هو حال بعض زملائنا الكتَّاب (الناصحين) أراد رئيس المجلس البلدي ممارسة ذات الدور الإرشادي والتوجيهي ليس للإعلام أو الكتَّاب فقط، بل للجميع بالاتزان والتعقل في مناقشة الفاجعة حين يقول نصاً: «يجب ترك إلقاء اللوم على البعض والمحاسبة للجهة الأخرى». ولسعادته ولكافة الزملاء الكتَّاب الناصحين أقول كما قالت العرب قديماً «قطعت جهيزة قول كل خطيب» حين أصدر الملك الإنسان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يحفظه الله أمره الكريم ليس فقط بتشكيل لجنة تحقيق بل «مساءلة أي مسؤول كائناً من كان». كما في شجاعة لا يعرفها إلا من ملك صدق وصفاء وإخلاص عبدالله بن عبدالعزيز يقول في ذات القرار: «بأنه لدينا الشجاعة للاعتراف بالخطأ». * بصدق وبحب لهذا الوطن المقدس لا أعرف كيف أفسر هكذا تصريحات كتصريح رئيس المجلس البلدي ومن قبله مسؤولي أمانة محافظة جدة من أمينها إلى كافة مساعديه، وما يكتبه بعض الزملاء الناصحين من الكتَّاب في ظل قرار تاريخي شجاع يمثل ما فعل الملك عبدالله يحفظه الله؟! * ولكل هؤلاء أقول في ذات اليوم الذي صرح فيه رئيس المجلس البلدي لصحيفة المدينة والذي (تحفظ) فيه أيضاً أعضاء المجلس على نقد دور الأمانة؟! نشرت صحيفة «الوطن» وعلى سبعة أعمدة وفي صدر صفحتها الأولى، يوم الثلاثاء الماضي 21/12/1430ه رداً مفصلاً لوزارة المالية تقول فيه وبالنص: «إن ما تم اعتماده لمشاريع الصرف الصحي ومشاريع تصريف الأمطار في محافظة جدة هو (الأعلى) على مستوى مدن المملكة بما فيها الرياض» ثم فصلت الوزارة الأرقام فالصرف الصحي اعتمد له تسعة مليارات ريال (الله أكبر)!! وما اعتمد لمشاريع مدينة جدة لتصريف مياه الأمطار ودرء أخطار السيول تجاوز 2.2 مليار ريال (ما أجملك من دولة). * عشرة مليارات ريال لمدينة جدة (فقط) ولمشاريع صرف صحي وتصريف مياه أمطار ودرء أخطار سيول ومع ذلك يخرج علينا البعض بتصريحات تبرير فاجعة إنسانية لن تنمحي آثارها إلا بعد زمن وهدفهم هو فقط إبعاد المسؤولية عن هذا وذاك إما لارتباط عائلي أو أسري أو مناطقي أو مصلحة شخصية.. فحسبي الله ونعم الوكيل.