أيام قليلة ويلتئم شمل الأدباء السعوديين في مؤتمرهم الثالث أو عرسهم الثالث في الرياض (مركز الملك فهد الثقافي)؛ مجدّدين لقاءاتهم التي بدأت في مكةالمكرمة في مؤتمرهم الأول في عام 1394ه/1974م الذي نظمته جامعة الملك عبدالعزيز، وفي مؤتمرهم الثاني عام 1419ه/1998م الذي عقد في رحاب جامعة أم القرى، مع وجود تغييرين أساسيين في سياق عقد مؤتمراتهم: الأول: انتقال مهمة التنظيم من الجامعات إلى وزارة الثقافة والإعلام (وكالة الوزارة للشؤون الثقافية). الثاني: انتقال مكان عقد المؤتمر من مكةالمكرمة إلى العاصمة الرياض. وهذا يدعونا إلى مطالبة الجهة المنظمة للمؤتمر بأن يكون انعقاده في كل دورة في مدينة مختلفة، وبخاصة في المدن التي تتوافر فيها أندية أدبية، وهذا مطلب ملح سيعطي الأدباء فرصة التعرف على مناطق المملكة المختلفة وعلى إمكانياتها السياحية والأثرية ، وسيمكن القائمين على الأندية الأدبية، وبخاصة الناشئة منها من اكتساب الخبرة في استضافة الملتقيات والمؤتمرات الأدبية. وإذا كان هناك انقطاع لافت للانتباه بين المؤتمرين : الأول والثاني يتمثل في مدة زمنية تتجاوز ربع قرن (13941419ه)، وبين المؤتمرين: الثاني والثالث تزيد على إحدى عشرة سنة (14191430ه)، فإننا يجب أن نشير إلى بعض المحاولات التي قامت بها بعض المؤسسات الثقافية أو الجامعات لنيل شرف تنظيم المؤتمر، ومن ذلك أن مؤتمر رؤساء الأندية الأدبية المنعقد في الرياض عام 1405ه أوصى بانعقاد المؤتمر الثاني في أسرع وقت. وتضمنت التوصية بأن تتبنى عقده «جامعة الملك سعود أو جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كما سبق أن تبنت المؤتمر الأول جامعة الملك عبدالعزيز « . (ينظر : الأندية الأدبية في سطور، نادي الطائف الأدبي، 1407ه). والطريف أنه لم يرد ذكر لجامعة أم القرى في هذه التوصية ، وهذا ربما أشعل في نفوس القائمين عليها الحماسة للقيام بهذا الدور بعد أن رأت أن الجامعتين المرشحتين لم تفعّلا هذه التوصية ؛ ولذلك تقدمت للجهات المسؤولة وصدرت لها الموافقة بتنظيم المؤتمر الثاني. وعندما أخذت جامعة أم القرى زمام المبادرة هذه وتبنت عقد المؤتمر الثاني في احتفالية مشهودة حضرها الأمير فيصل بن فهد رحمه الله الرئيس العام لرعاية الشباب وقت ذاك قامت بتكريم عدد من الأدباء ، وقام بإلقاء الكلمة نيابة عنهم الأديب عبد الفتاح أبو مدين ، وتضمنت كلمته استعداد نادي جدة الثقافي الأدبي لعقد المؤتمر الثالث ، ووافق سموه على ذلك وقال له: « يدي بيدك«، غير أن وفاة الأمير فيصل المفاجئة في عام 1420ه أربكت أبا مدين وجعلت حماسته تضعف.. وحاولت جامعتان فيما بعد، وهما: الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة ، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن تظفرا بشرف تنظيم المؤتمر الثالث، وطالعتنا الصحف عام 1428ه بأخبار عن اعتزام الجامعة الإسلامية تنظيمه . أما جامعة الإمام فاقتصرت على المكاتبات الرسمية ولم تعلن ذلك في الصحف انتظارًا لصدور الموافقة من الجهات المختصة. وبينما تطلعت الجامعتان لتنظيمه، رأت وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في وكالة الوزارة للشؤون الثقافية بوصفها المعنية بالشأن الثقافي أنها الأحق بذلك، فقامت بالتخطيط المتأني والمتكامل، مؤكدة أنها ستعتمد بشكل كبير على الأساتذة الجامعيين في لجانها وبحوثها، ومن هنا فالجامعات حاضرة وبقوة في المؤتمر الثالث. وإذا كان هناك مجال للمقارنة بين المؤتمرات الثلاثة، فإن الأول يمكن أن يوصف بأنه «مؤتمر التأسيس«، والثاني «مؤتمر مواصلة المسيرة «، والثالث «مؤتمر الانطلاقة«. وفي الأول كان المنطلق فيه تجمع الأدباء في مكان واحد خمسة أيام (15ربيع الأول)، والتقاؤهم وتعارفهم وتكريمهم، والتنويه بجهودهم البحثية في أي مجال من مجالات المعرفة؛ ولذلك لم تكن بحوث المؤتمر الأول متجهة إلى الأدب السعودي وحده، وإنما كان الشرط أن يكون الباحث أديبًا سعوديا، وكان التفاؤل يغمر الجميع، وخرجوا بثلاثين توصية تعبر عن حالة التفاؤل هذه أصدق تعبير. وإذا كانت بحوث المؤتمر الأول قد جمعت في خمسة مجلدات فإن وصف «بحوث« لا يصدق على عدد من المواد التي تضمنتها المجلدات، وهي مقالات وليست بحوثًا. وفي المؤتمر الأول غابت المرأة تمامًا؛ لأنها حديثة عهد بالتعليم النظامي؛ ولذلك لم نجد لها مشاركة في لجان المؤتمر، ولا في البحوث، ولا في التكريم. وقد كرّم في المؤتمر الأول ثمانية وعشرون أديبًا من الأحياء، وتسعة ممن انتقلوا إلى رحمة الله، وبذلك يصبح عدد المكرّمين سبعة وثلاثين أديبًا. وفي المؤتمر الثاني اختصرت أيام المؤتمر من خمسة إلى ثلاثة أيام فقط (57شعبان)، وألحت البحوث في مجملها على الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية، ولم تخرج عن هذا الإطار إلا ثلاثة بحوث من 47 بحثًا. وطال الاختصار أيضًا التوصيات، ولم يوصِ المؤتمرون إلا بخمس عشرة توصية (أي نصف توصيات المؤتمر الأول)، ومن المؤكد أن حالة من الإحباط أحاطت بلجنة التوصيات؛ لأنهم رأوا أن كثيرًا من توصيات المؤتمر الأول المتفائلة لم تفعّل ولم تتحقق؛ لذلك كان الاتفاق على الاختصار والاهتمام بما يمكن أن يتحقق دون إفراط في التفاؤل. وفيما يخص المرأة فقد حضرت مكرّمة إذْ كرّمت اثنتان: ثريّا قابل وسهيلة زين العابدين، وبلغ عدد الباحثات خمس، وغابت عن اللجان. وعندما اُختتمت فعاليات المؤتمر الأول قامت الجهة المنظمة وهي جامعة الملك عبدالعزيز بطباعة البحوث والسجل العلمي للمؤتمر في خمسة مجلدات صدرت في العام الذي عقد فيه المؤتمر، وهو عام 1394ه، في حين قامت جامعة أم القرى بطباعة بحوث المؤتمر الثاني وما يتعلق به من كلمات وتوصيات في أربعة مجلدات، وصدرت في عام 1420ه/1999م. وفي المؤتمر الأول كان حضور الشعر والشعراء لافتًا، بوصفه ديوان العرب ، وبوصفهم أطول الأدباء أعناقًا، فأخذوا نصيب الأسد، وألقيت قصيدتان في حفل الافتتاح ألقاهما الأمير عبدالله الفيصل، وأحمد بن إبراهيم الغزّاوي، ولم تتوقف الأمسيات الشعرية طوال أيام المؤتمر الخمسة. والسبب الرئيس لهذا الأمر يكمن في أن اللجنة التنفيذية للمؤتمر وضعت من بين المحاور «نظم قصيدة شعرية في حدود 300 بيت» في ثلاثة موضوعات حدّدتها. وأما في المؤتمر الثاني فقد تراجع الشعر، وحضر النقاد والأساتذة الجامعيون بشكل أوضح، وكرّم إلى جانب الشعراء الروائيون والنقاد وكتاب القصة، ولم تقم أمسية واحدة!! وتراجع عدد المكرّمين من سبعة وثلاثين في المؤتمر الأول إلى أحد عشر فقط في الثاني، ومن المتوقع أن يصل عدد المكرّمين في الثالث إلى خمسة عشر أديبًا. ويأتي المؤتمر الثالث للأدباء السعوديين متوّجًا برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين، متعجلاً تحقيق النجاح قبل أن تبدأ فعالياته، مادًا يديه إلى كل الدارسين والباحثين والباحثات في وقت مبكر، يناشدهم المشاركة الجادة وفق الضوابط التي أعلنها ، ووفق المواعيد التي حدّدها، متوشحًا بشعار محدّد يدور في فلك الأدب في المملكة في إطار « الأدب السعودي: قضايا وتيّارات«، وهذا التحديد أول السمات التي تميزه عن المؤتمرين السابقين. ومن السمات التي ينفرد بها إشراك المرأة في لجانه العاملة، ودخول سيدتين في اللجنة العلمية، وسيدة في اللجنة الإعلامية، وسيدات في لجان أخرى متفرعة عن اللجنة التنظيمية. إضافة إلى حضور المرأة بقوة في مجال البحوث، وتكاد تظفر بنحو ثلث البحوث، في حين لم تشارك في المؤتمر الثاني إلا خمس باحثات فقط، وغابت تمامًا في الأول! وجاءت أيام المؤتمر الثالث وسطًا بين الأول والثاني، وحدّدت أربعة أيام لانعقاده. وابتهاجًا بعودة مؤتمرات الأدباء بعد انقطاع وعدم انتظام، فإن الموافقة السامية نصت على انعقاده كل سنتين، وستقوم اللجنة الإعلامية بحول الله بإعداد كتيب يوزع في المؤتمر يتضمن تأريخًا للمؤتمرات الثلاثة؛ ليكون مرجعًا لكل من يود البحث في أثر هذه المؤتمرات في الحركة الأدبية في المملكة. وأسأل الله عزوجل التوفيق لأدبائنا في مؤتمرهم الثالث، وفي مؤتمراتهم القادمة، وإلى المزيد من الحراك الثقافي المثمر.. (*) عضو اللجنة التنظيمية بمؤتمر الأدباء ورئيس اللجنة الإعلامية