لم تكد الكلمات التي وجهها لنا قائد رحلتنا الجوية على مشعر عرفات أمس الرائد طيار عاطف الشهري -بربط الأحزمة والثبات والتوكل على الله- تنتهي حتى بدأنا في التحليق وعيوننا على جبل الرحمة الذي لم ينتظر سوى ثلاث ساعات في الصباح حتى بات حجاج بيت الله الحرام يغطونه باللون الأبيض الساعة الحادية عشرة قبل ظهر أمس في مشهد مهيب التقطته عدسة “المدينة” وسط منظومة متكاملة من الخدمات الطبية والأمنية والغذائية تجدها أينما وليت وجهك تجاه الشوارع الرئيسية التي تصل إلى مسجد نمرة وتتفرع بجوار جبل الرحمة. الرائد عاطف الذي بدا متحمساً وهو يحلق في أجواء مشعر عرفات أسرّ لنا بأن أمتع الأوقات لديه هي تلك التي يقضيها في أجواء المشاعر المقدسة والتي تصل إلى عشرات الرحلات يومياً بداية من مشعر منى وعرفات ومروراً بجسر الجمرات إذ تبعث في نفسه مع زملائه المكلفين في مهمات مواسم الحج مسؤولية كاملة تجاه ضيوف الرحمن. وأوضح أن مهماتهم تتركز في رصد أي ملاحظات أو كثافة بشرية يتم التبليغ عنها مباشرة للعمليات التي بدورها تبلغ مراكز القيادة والسيطرة والجهات المعنية. يؤكد الرائد عاطف وزميله المرافق النقيب طيار ثامر الرزقان أن المراقبة الجوية لأكثر من ثلاثة ملايين حاج والمحصورة في مكان واحد بحجم مشعر عرفات هي مهمة ليست سهلة على الإطلاق إلا أن الخبرات المتراكمة على مدى السنوات السابقة أوجدت فريقاً من الطيارين السعوديين متخصصين في تتبع ورصد أي ملاحظة على الأرض. ويضم الفريق أفضل الطيارين السعوديين بقاعدة الملك فهد الجوية والتي تشارك سنوياً بطيرانها العمودي في عمليات البحث والإنقاذ ومعرفة وتحديد مواقع الاختناقات بالتنسيق مع إدارة المتابعة الجوية في الأمن العام حسب تأكيدات قائد قاعدة الملك فهد الجوية في القطاع الغربي اللواء الطيار الركن فياض بن حامد الرويل. من الجو يبدو الحجاج وكأنهم فصيل واحد حول جبل الرحمة يغطون بإحراماتهم كل الطرق وجنبات مسجد نمرة في منظر إيماني قلّ أن يشعر به من لم يشاهده وتبدو هيبته أكثر جلاءً من الجو حيث القلوب والابتهالات وعلى لسان كافة الحجيج تتوجه إلى الخالق بأن يقبل حجهم ويعيدهم إلى أوطانهم سالمين غانمين وقد غفر لهم ما تقدم من ذنبهم مصداقا لحديث المصطفي عليه الصلاة والسلام: “من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”. الرحلات الجوية التي لم يحدد عددها طاقم الرحلة أكدوا أنها على مدار الساعة حيث تقلع طائرتان تجوبان أجواء المشاعر في اتجاهين مختلفين تراقب من خلالها أجواء المشاعر المقدسة وتحركات الحجاج في الثلاثة أيام من حج هذا العام إضافة إلى مسؤولية البحث والإنقاذ ومعرفة وتحديد مواقع الاختناقات بالتنسيق مع إدارة المتابعة الجوية في الأمن العام، إضافة إلى مهماتها الإعلامية في النقل التلفزيوني لعدد من المحطات المحلية والدولية بالتنسيق مع وزارة الثقافة والإعلام. لم تكن الرحلة التي استقلتها “المدينة” هي الأولى من نوعها ولكن ما يميزها عن غيرها أنها تأتي في ظل مشاريع ضخمة اتضحت معالمها من الجو فقطار الحرمين الذي تبدو أجزاؤه الأولى متصلة من الجو رصدته “المدينة” في جولتها وقد بدا بالفعل يسير وفقا للجدول الزمني المعد له حيث من المقرر بدء تشغيل 35% من طاقته الاستيعابية في حج العام المقبل بتكاليف وصلت إلى أكثر من ستة مليارات ريال ليلغي بذلك صفوفاً متراصة من الباصات والسيارات الصغيرة والتي رصدناها أثناء تحليقنا بارتفاع 1000 قدم يوم أمس. ومن المؤمل أن يرفع ذلك العبء عن رجال الأمن الذين بذلوا جهوداً واضحة ومحاولات في تسهيل حركتها وعزلها عن مسارات المشاة التي تتداخل في أحيان كثيرة بفعل الزحام الكثيف في مساحة صغيرة بحجم مشعر عرفات.