روى الأصمعي أنه بينما هو يطوف بالبيت ذات ليلة إذ رأى شاباً متعلقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا وأنت يا حي يا قيوم لم تنم أدعوك ربي حزيناً هائماً قلقا فارحم بكائي بحق البيت والحرم إن كان جودك لا يرجوه ذو سفه فمن يجود على العاصين بالكرم؟! ثم بكى بكاء شديداً، وأنشد: ألا أيها المقصود في كل حاجة شكوت إليك الضر فارحم شكايتي ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي أتيت بأعمال قباح رديئة وما في الورى عبد جنى كجنايتي أتحرقني بالنار؟ يا غاية المنى فأين رجائي ثم أين مخافتي؟ ثم سقط على الأرض مغشياً عليه فدنا منه، فإذا هو زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، فقال الأصمعي، سيدي: ما هذا البكاء والجزع؟ وأنت من أهل بيت النبوة! فقال: هيهات هيهات يا أصمعي: إن الله خلق الجنة لمن أطاعه، ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان حراً قرشيا. أليس الله تعالى يقول: (فإذا نُفخ في الصور، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون). وبعضنا يقف غدا على صعيد عرفات حاملا بين جنبيه كبرا وغرورا وصلفا لأنه من بني فلان وله فخذ فلان وأصهاره بنو فلان. عجبي لمن يذرف الدمع ندماً على معصية صغيرة ويتناسى خطيئة يلزمها طوال يومه.. في بيته وفي عمله وفي كل شأنه... إنها خطيئة المفاخرة بالأحساب والطعن في الأنساب وما تجره من احتقار للآخرين واستصغار لشأنهم وغمط لحقوقهم. هذا زين العابدين سليل الشرف العظيم يعلمنا أن اصل الإنسان تراب حقير وماء مهين، وأن التقوى هي منارة الدرب، ليعرف الإنسان أي منتهى هو إليه سائر! تراب تحت الأرض، ودود ينهش اللحم ويفني العظم. أيها المغترون بأعراض زائلة وأوصاف لا تساوي عند الله شيئاً: عودوا إلى جنة التواضع، فهي واسعة رحيبة ترفع ذكركم وتحفظ شأنكم وتزيدكم عند الله مكانة ورفعة. [email protected]