متابعة جهود الوزارات والجهات الحكوميّة؛ تتطلَّب وقتاً ودقة وفهماً، وهو ما لا يتوافر في صاحب هذا القلم.. لذا يتَّخذ لنفسه مكاناً قصيًّا مِن ميدان الكتابة، ليُناور حيث المكان الذي تركه الآخرون! ولكن هناك نوع مِن المسؤولين مَن يتطاير نشاطهم؛ ليُصبح على كُلِّ لسان، لتكون أخبارهم مُنتشرة كالنبأ العظيم -كما هو تعبير الرّوائي المصري «جمال الغيطاني»-! ومِن هؤلاء المسؤولين معالي الدكتور «عبدالله العثمان»، مدير جامعة الملك سعود، الذي سمعتُ وقرأتُ عنه، وعن مرونته الإداريّة، ووعيه الفكري الشّيء الكثير! وثاني الاثنين هو معالي الدكتور «أبوطارق» محمد العقلا، مدير الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المُنيرة، الذي أنا بصدد الحديث عنه! ونظراً لأنَّني مِن خريجي الجامعة الإسلاميّة، فإنَّ الحديث عنها ذو شجون وفنون، وأقوالٍ وظنون! والجميل في هذا، أنَّ الطَّالب يأتي بعد سنوات لجامعته بوصفه زائراً، ليرى بعين ملؤها التَّجرُّد، وعمقها النَّقد، وبُعدها تحرِّي الخير والتَّوفيق.. لذا يمكن القول بارتياحٍ كبير: إنَّ الجامعة منذ مجيء هذا الرَّجُل الخلوق، وأعني به الدكتور «العقلا»، وهي تُساهم في «نسيج المجتمع»، بعد أن كانت في أيَّامنا؛ وكأنَّها مركبة فضائيّة؛ هبطت اضطراراً في جانب «الوادي المبارك» قرب المدينة، لترحل متى شاء الله لها أن ترحل! كانت الجامعة تشعر بوحشة مِن المجتمع، والمجتمع يشعر بأنَّه بعيد عنها..حتَّى جاء الرَّجُل «المناسب» فأزال الوحشة، وأصبح «سمن الجامعة في دقيق المجتمع» بكُلِّ منشآته! الجامعة في أيَّام «العقلا»؛ استضافت عددا كبيرا مِن مسؤولي الدّولة الكبار -وزراء وعُلماء ومُتخصِّصين- وكان آخر هذه المساهمات؛ تلك الورقة التي قدَّمها سمو وزير التّربية والتّعليم، والتي انطلقت مِن رحاب الجامعة، على اعتبار أنَّ المدينة المنوّرة «مُنطلق الرّسالة الإسلاميّة»! في تلك الليلة، وبعد ورقة «ملامح التَّعليم»، أتاح سمو الوزير الوقت، ومنح الحريّة للحوار، فكان حواراً صريحاً جميلاً، وأُسَريًّا نبيلاً، استمرّ زهاء السَّاعتين، أمَّا ما حدث في هذا الحوار؛ فمِن الحماقة أن يُختصر في هذه الزَّاوية «المتواضعة»! حسناً.. ماذا بقي؟! بقي القول: إنَّ معالي الدكتور «محمد العقلا» لم يُطلب منه أن يقوم بهذا العمل، ولم يكن هذا مِن واجباته، بل فعل كُلّ ذلك مِن باب إحياء الجامعة، وضخ الدَّم في عروقها، وتجديد جهود الجامعة لتَّتسق وتتناغم مع صيرورة المجتمع، وحركته المتغيّرة، لتكون بحق منارة للعلم، وإشعاعاً للمجتمع! لقد فعل ذلك هو وكُلّ منسوبي الجامعة، ليُؤتي هذا الصَّرح العلمي أُكله طيّباً مفيداً، غنيًّا مديداً! بعد كُلّ هذا.. ماذا لو أنَّ كُلّ جامعة أسهمت بهكذا جهد؟!.. تُرى كيف ستكون العلاقة بين المجتمع والجامعات؟!.. وقبل الختام لا أقول إلَّا: اللَّهم اجعل في جامعاتنا أكثر مِن «عُقلا»، فما أجمل التَّحاكم إلى «العقل»! .