أعادتني تغريدات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، التي يناشد فيها الشعب بالصمود والتصدي لزحف التيجراي، مؤكدا أن «آخر أصعب مخاض هي لحظة ولادة الطفل»، واصفا ذلك الوقت بأنه «الذي يولد فيه الأبطال»، بصرخات مماثلة أطلقها منجستو هيلا مريام مطالبا بالتصدي لزحف تحالف الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، مؤكدا أن هذه لحظة الشعب، وذاك الوقت هو وقت الأحرار! والحق أنني قمت بدور «الفيسبوك» و«تويتر» معا حين نقلت رسائل منجستو كما قالها في آخر أيامه لجريدتي «الشرق الأوسط» اليومية، و»المسلمون» الأسبوعية في ذلك الوقت من عام 1991 وهو نفس العام الذي فزت به بجائزة الصحافة العربية عن مواجهتي مع منجستو وطغاة القرن الأفريقي. تستقل إرتيريا، ويتصالح اسياس أفورقي ومليس زيناوي، وتستقر إثيوبيا، وتتخلى الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي عن ميولها الانفصالية، بل ويفوز آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام، ويبني «سد النهضة»، وفي خلفية المشهد يبقى الأمر كما هو عليه! في الثمانينات انتتشرت المجاعات، وأصبح الجوع هو العامل الأول لثورة شعب تيجراي.. يصرخ منجسنو على جبروته، مناشدا الشعب في العاصمة أن يبقى معه، دون جدوى! وبعد أربعة عقود يعود الجوع لتيجراي، ويصيح آبي أحمد مناشدا شعب الزهرة الجديدة الوقوف معه! الآن يتكرر السيناريو ويخرج آبي أحمد ليتحدث عن «تضحية يجب القيام بها» باعتبار أن تلك التضحيات «هي التي تزرع إثيوبيا على صخرة لكي تكون أقوى»، ومؤكدا نفس الكلام الكبير من قبيل أن «الصعاب زادت من قوة الإثيوبيين، وأظهر منافسوهم لهم طرقا أخرى»، وأن الشعب سيصبر، وسيواصل مواجهة تحدياتها الراهنة، في وحدة لا تتزعزع»! والحق ومع الاحترام لجائزة نوبل للسلام، أنها «تزعزعت» لدرجة أن جبهة تحرير تيجراي سيطرت على مدينة كومبولتشا الواقعة بإقليم أمهرة الذي ينتمي إليه آبي أحمد! فضلا عن سقوط مدينة دسي الإستراتيجية! سيناشد مجلس الأمن، ويناشد الاتحاد الافريقي، بل سيناشد الجيران من كينيا للسودان، لكن هذه المناشدات ستضيع وسط صراخ الشعب الجائع.. لقد أثبتت الأيام ضحالة وسخف وعيب استخدام المثل القائل «جوع كلبك يتبعك» بل ونسبته للشعوب الصابرة والراضية بل والبانية! إنه المثل المنسوب لرئيس من رؤساء بني حمير اعتاد على معاملة أتباعه بالعنف والظلم، وعندما حذره كهنة قومه من مغبة سلوكه وأن الشعب سيقتله، تمادى في ظلمه وغيه! بل إن زوجته عندما لاحظت كثرة المتسولين من أبناء الشعب نصحته، فرد عليها قائلاً: «جوّع كلبك يتبعك»! الآن، تثبت الأيام، أن الجوع أمضى من أي جيش، ومن أي حزاب، ومن أي حصن، والجاهل هو من يتأخر أو يتردد أو يناور أو يقانر، أو يراهن على معدة الشعب!.